الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

قانون الإيجار القديم في مصر، حكاية بدأت بالحرب هل ستنتهي بالسلام

قانون الإيجار القديم
قانون الإيجار القديم في مصر

قانون الإيجار القديم، في أحياء مصر القديمة والحديثة على السواء، يمكنك أن تسمع القصة ذاتها تتكرر بصيغ مختلفة: "أنا بدفع 10 جنيه إيجار شقة في الزمالك"، أو "ورثت الشقة من جدي، والمالك بيطالبني بالإخلاء"، وهكذا أصبح قانون الإيجار القديم ملفًا شائكًا، تعاقبت عليه الحكومات دون حسم، وظل محور صراع اجتماعي واقتصادي.

قانون الإيجار القديم في مصر، حكاية بدأت بالحرب.. هل ستنتهي بالسلام

الحرب العالمية الثانية تقود إلى أول تجميد للإيجارات

في عام 1941 ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية، أصدرت الحكومة المصرية مرسومًا استثنائيًا بتجميد القيمة الإيجارية للوحدات السكنية، حماية للفئات المتضررة من الحرب والظروف الاقتصادية، ولم يكن في الحسبان آنذاك أن هذا القرار المؤقت سيتحول إلى أساس لعشرات القوانين التي ستقيد العلاقة بين المالك والمستأجر لعقود قادمة.

عهد عبد الناصر، تثبيت العقود والإيجارات مدى الحياة

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وضمن مشروع العدالة الاجتماعية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، تم تثبيت العقود الإيجارية لتصبح ممتدة مدى الحياة، بل وقابلة للوراثة، كما جرى فرض تسعيرة إيجارية على الوحدات، ما أفقد المالكين أي قدرة على التفاوض أو تعديل القيمة.

وتم تشييد العديد من أحياء الطبقة المتوسطة ضمن هذا السياق، وظهرت مفاهيم مثل "أمان السكن"، لكنها جاءت على حساب مبدأ "حق التصرف في الملكية"، مما زرع بذور الأزمة الحالية.

عصر السادات ومبارك، التجميد مستمر

ورغم التحولات الاقتصادية في عهد الرئيس السادات، وما عرف بسياسة "الانفتاح"، فإن قانون الإيجار القديم ظل كما هو، وظل الملاك يطالبون برفع الظلم، بينما الحكومات تتجنب الاصطدام مع ملايين المستأجرين.

وفي عهد الرئيس مبارك، أصدرت قوانين جديدة تنظم الإيجارات الجديدة منذ عام 1996 قانون الإيجار الجديد، وجرى تحرير السوق فعليًا للعقود الجديدة، لكن العقود القديمة بقيت على حالها، وظهر بذلك سوقين مختلفين تمامًا وحدات بإيجارات ثابتة ورمزية، ووحدات بأسعار سوقية مرتفعة جدًا.

ثورة يناير 2011، عودة صوت الأزمة

مع انفتاح النقاش العام بعد الثورة، عاد ملف الإيجار القديم بقوة إلى الساحة السياسية والإعلامية، وظهرت جمعيات تمثل الملاك، تطالب بإلغاء القانون، فيما تصدى مستأجرون بالدفاع عن حقهم في البقاء.

قانون الإيجار القديم في مصر، حكاية بدأت بالحرب.. هل ستنتهي بالسلام

ما بعد 2014، محاولات متكررة للإصلاح

وفي ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تجدد الحديث عن إنهاء الإيجارات القديمة غير السكنية، مثل الوحدات التجارية والإدارية، وهو ما تم فعلًا بقانون صدر عام 2019، وحدد مهلة 5 سنوات للإخلاء.

أما فيما يخص الوحدات السكنية، فالموضوع لا يزال محل نقاش، إذ تعهد البرلمان مرارًا بمناقشة الملف دون ظلم لأحد، لكن لم يصدر حتى اللحظة تشريع حاسم يحدد مصير العقود القديمة الممتدة سكنيًا.

ويقدر عدد الوحدات الخاضعة لقانون الإيجار القديم في مصر بحوالي 3 ملايين وحدة، بعضها في مناطق راقية، وتدفع إيجارات لا تزيد عن 20 جنيهًا شهريًا، وكثير منها مغلق أو غير مستغل، ما يفقد السوق العقاري وحدات كان يمكن أن تضخ للإيجار أو البيع.

قانون الإيجار القديم في مصر، حكاية بدأت بالحرب.. هل ستنتهي بالسلام

وما بدأ كإجراء استثنائي في زمن الحرب، أصبح قانونًا دائمًا في زمن السلام، وأزمة تتوارثها الأجيال، وبين مالك يطالب بحقه في ملكيته، ومستأجر يخاف من التشريد، يقف قانون الإيجار القديم كأقدم علاقة سكنية جامدة في العالم، واليوم ومع ازدياد الحاجة لإصلاح اقتصادي شامل، تبدو فرصة إصلاح هذا القانون أكبر من أي وقت مضى، ولكن بشرط أن يتم التغيير بالتدريج، وبالعدالة، وبصوت العقل لا الخصومة.

تم نسخ الرابط