
مع شروق شمس هذا الثلاثاء، لم يكن اليوم عاديًا في حياة ملايين المصريين.
فقد دخل قانون الإيجار القديم المعدل رقم 164 لسنة 2025 حيز التنفيذ، ليكسر صمتًا امتد لعقود بين المالك والمستأجر، ويضع الجميع من وزراء سابقين وفنانين مشهورين وشخصيات عامة وحتى مواطنين بسطاء أمام نص واحد لا يعرف المجاملة ولا الاستثناء.
لحظة فاصلة في تاريخ العقار المصري، تحمل في طياتها إعادة توزيع موازين القوة بين طرفي العلاقة الإيجارية.
حين نتحدث عن 3.1 مليون وحدة سكنية يقطنها ما يقارب 14 مليون مواطن، فنحن لا نتعامل مع إحصاء عقاري جامد، بل مع حياة نابضة في شوارع مصر القديمة والجديدة.
خلف كل رقم حكاية، وخلف كل باب أسرة تنسج يومها بين جدران اعتادت عليها لسنوات طويلة، لكن القانون الجديد جاء ليقول إن زمن الجمود انتهى، وإن العدالة الإيجارية لا بد أن تعود إلى نصابها.
القانون منح المحافظين صلاحيات واسعة، تبدأ بحصر جميع الوحدات السكنية والمحال التجارية خلال ثلاثة أشهر فقط، مع تصنيفها بدقة إلى إسكان متميز أو متوسط أو اقتصادي.
معايير هذا التصنيف ليست عشوائية، بل تستند إلى موقع العقار، عرض الشارع، البنية التحتية، عدد الطوابق، والقيمة السوقية للمبنى.
حتى اكتمال الحصر، فرض القانون أجرة مؤقتة لا تقل عن 250 جنيهًا، على أن يبدأ تحصيل الأسعار الجديدة اعتبارًا من أول سبتمبر، مع استحقاق فروق الإيجار بأثر رجعي.
الأرقام الجديدة تعكس تحولات جذرية: 1000 جنيه حد أدنى للإيجار في المناطق المتميزة مثل مصر الجديدة ومدينة نصر، و400 جنيه في المناطق المتوسطة مثل الهرم وفيصل، و250 جنيهًا في المناطق الاقتصادية.
أما الزيادات، فهي صاخبة: 20 ضعفًا للشقق في المناطق المتميزة، و10 أضعاف في المتوسطة والاقتصادية، وخمسة أضعاف للمحال التجارية بدءًا من سبتمبر، مع زيادة سنوية ثابتة 15%.
لكن التغيير الأعمق يكمن في المدد الزمنية الحاسمة وهي سبع سنوات للوحدات السكنية قبل الإخلاء النهائي، وخمس سنوات للمحال التجارية، دون مماطلات قضائية، بل بقرار من قاضي الأمور الوقتية.
أكثر من ذلك، نصت المادة السابعة على إخلاء أي وحدة مغلقة لعام كامل بلا مبرر، أو إذا ثبت أن المستأجر يمتلك وحدة أخرى، بنفس الآلية القضائية السريعة.
ولأن التشريع يدرك أن التغيير الجذري يحتاج إلى مظلة حماية، منحت المادة الثامنة للمستأجرين المتضررين حق التقدم للحصول على وحدة بديلة من وزارة الإسكان، وإن ظل تعبير “تخصيص وحدة” مثار تساؤل حول طبيعة هذه البدائل وما إذا كانت مدفوعة أو مدعومة بتسهيلات.
اليوم، ونحن نقف على أعتاب تطبيق هذا القانون، ندرك أن الأمر أكبر من مجرد تعديل تشريعي.
نحن بصدد إعادة صياغة معادلة اجتماعية واقتصادية عاشتها مصر لعقود، معركة بين الاستقرار والتغيير، بين الذاكرة والضرورة، وبين حق المالك في العائد العادل وحق المستأجر في سقف يأويه.
إنها لحظة تاريخية سيحكم عليها الزمن، لكن المؤكد أن قانون الإيجار القديم لم يعد كما كان، وأن السنوات السبع المقبلة ستكون اختبارًا حقيقيًا للعدالة في شوارع مصر.