الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

أثار قانون الإيجار القديم، بعد إقراره مؤخرًا من مجلس النواب، حالة واسعة من الجدل في الشارع المصري؛ فبينما اعتبره البعض خطوة عادلة تنصف الملاك وتعيد لهم حقوقًا سُلبت لعقود، رأى آخرون أنه يحمل قسوة على المستأجرين.

وفي هذا المقال نناقش قضية المالك والمستأجر من منظور الشريعة الإسلامية، التي جاءت لتحقيق التوازن في المعاملات بين جموع البشر.

إنني وبعد دراسة شرعية وافية أرى أن قانون الإيجار القديم جاء منصفاً للمالك والمستأجر، وأنه الأقرب إلى مقاصد الشريعة الإسلامية التي تدعو لرفع الضرر عن أي طرف وتحقيق التوازن في المعاملات. 

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90)، وهو أمر إلهي يضع العدل أساسًا في كل تشريع، وهو ما يجسده القانون الجديد بحفظ حق المالك في ماله، ومراعاة أوضاع المستأجرين في آن واحد.

المحكمة الدستورية العليا تقرر إعادة النظر في قانون الإيجار القديم.. ما  الجديد؟ | إنفو

لقد صانت الشريعة الإسلامية الملكية الخاصة وجعلتها حقًا لا يجوز المساس به، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (البقرة: 188)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» (متفق عليه). 

وما كان قائمًا من إلزام المالك بأجرة زهيدة لا تتناسب مع القيمة الحقيقية لعقاره، يعد صورة من أكل المال بالباطل الذي حرمه الشرع. 

وقد عبّر الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذا المعنى بقوله: "لا يمنعن أحدكم حقًا له أن يطلبه إذا وجده"، وهي كلمة تختصر جوهر القضية؛ فالحق وإن تأخر زمنه، يبقى واجب الاسترداد.

إن الفقهاء قرروا قاعدة عظيمة وهي "لا ضرر ولا ضرار"، والقانون القديم أوقع ضررًا بالغًا بالملاك، حتى هُجرت بعض العقارات، وتدهورت حال البنية السكنية، لأن المالك لم يجد حافزًا لصيانتها أو تطويرها. 

وجاء التعديل الجديد رفعًا لهذا الضرر، مستندًا إلى أصل شرعي ومبدأ إنساني، وهو أن المعاملات تقوم على التراضي، فإذا تغيرت الظروف وجب تعديل الشروط بما يحقق العدل.

ومن التاريخ، تروى قصة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، حين رد المظالم إلى أصحابها، حتى تلك التي مضى عليها عقود في عهد من سبقه، فلم يقل إن الوقت قد فات، بل اعتبر رد الحق عبادة يتقرب بها إلى الله، فأرسل رسائل إلى ولاته قائلاً: "أما بعد، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، والعدل فريضة الله التي أمر بها".

وفي تعديل قانون الإيجار القديم صورة من هذا النهج؛ رد الحقوق بعد طول حرمان، وإزالة الظلم وإن تأخر.

القانون المعدل لم يغفل المستأجرين، بل منحهم مهلة كافية لتوفيق أوضاعهم، في انسجام مع روح الشريعة التي توازن بين رفع الضرر عن طرف وعدم إيقاعه بطرف آخر. 

وهذا يشبه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يزيل ضررًا عن أحد الصحابة، فبحث عن حل يحقق المصلحة ويدفع المفسدة، دون أن يظلم أحدًا.

اليوم، مع إقرار هذا القانون، تُطوى صفحة من الظلم الطويل، ويبدأ فصل جديد من العلاقات الإيجارية في مصر قائم على القسط والإنصاف، كما أمر الله تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58). 

إنها لحظة فارقة تعيد الثقة في أن الحقوق لا تضيع، وأن الشريعة لا تزال قادرة على إلهام التشريعات، لتبقى مصر بلدًا يحيا على العدل، ويحفظ الكرامة، ويصون الأموال.

تم نسخ الرابط