أحداث سوريا، آخر تطورات الأوضاع في السويداء والدور الإسرائيلي لبث الفرقة
تعيش محافظة السويداء السورية منذ أيام على صفيح ساخن، إذ دخلت الأوضاع في الجنوب السوري منعطفا بشأن ملف الأقليات، مما يزيد المشهد الأمني والاجتماعي تعقيدًا، فالإقرار الرسمي السوري بوجود "تجاوزات" في المحافظة، ترافق مع تعهدات واضحة بالمحاسبة، وفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية، بشأن تدخل دمشق مرحلة جديدة في إعادة رسم معادلة الحكم والسيطرة في مناطق الجنوب، وما إذا أصبح ملف الأقليات الذي يعتبر في المقدمة الطائفية الدرزية معيارا حاسما لقياس قدرة النظام على بسط نفوذه.
اعتراف رسمي في تحول الخطاب الرسمي
صرحت الحكومة السورية في وقت سابق، ممثلة بمؤسسة الرئاسة بوجود تجاوزات ارتُكبت في السويداء من عدة أطراف، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنها، في خطوة تشير إلى تحوّل في الخطاب الرسمي من سياسة الإنكار التي اتبعها نظام الأسد سابقا، إلى إقرار بالمشكلة ووعود بمعالجتها.
وقال "عباس شريفة" الكاتب والباحث السياسي من دمشق، إن ما جرى ليس تجاوزا من جهة واحدة، بل تجاوزات جماعية وقعت من رجال أمن، ومن بعض أبناء البدو، ومن أهالي السويداء أنفسهم، وهو ما يعقد المشهد ويؤكد أن الحالة الفصائلية التي يعيشها الجنوب السوري تقف عائقا أمام فرض سلطة الدولة بشكل كامل.
وأضاف شريفة أن الحكومة السورية لا تتنكر لمسؤولياتها، وهي بصدد المحاسبة الفعلية، وهناك إرادة حقيقية لضبط الأجهزة الأمنية.
حواجز واعتقالات بحق من ثبت تورطه في انتهاكات السويداء
وفق شريفة، فإن الدولة السورية بدأت بالفعل بنشر الحواجز على مداخل السويداء ومخارجها، وشرعت في تنفيذ سلسلة من الاعتقالات بحق من ثبت تورطه في انتهاكات، سواء من رجال الأمن أو من المدنيين، مشيرا إلى أن أكثر المعتقلين حاليا هم من الأمن العام، وقد سبقت عليهم شكاوى موثقة، وبعضهم تم فصلهم من الخدمة.
وأشار شريفة إلى أن 200 عنصر على الأقل تم فصلهم قبل شهرين فقط من أجهزة الأمن بسبب ارتكابهم تجاوزات سلوكية، ما يعكس تحولا استراتيجيا في منهج الدولة تجاه ضبط الأداء الأمني.
أحمد الشرع وتطورات الأوضاع في السويداء واعتداءات الكيان الإسرائيلي
أكد الرئيس السوري أحمد الشرع في كلمته المتلفزة أن سوريا تواجه محاولة جديدة تستهدف وحدة أراضيها وزعزعة أمنها واستقرارها، مشددا على أن سوريا لن تكون ميدانا لتصفية الحسابات أو لتحقيق الأطماع الخارجية على حساب دماء السوريين.
وقال الشرع إن التصعيد الأمني الأخير الذي شهدته محافظة السويداء جاء نتيجة تحركات مجموعات خارجة عن القانون، رفضت دعوات الحوار، وارتكبت اعتداءات بحق المدنيين، مضيفًا أن سوريا لا تخشى الحرب لكنها تقدم مصلحة الشعب على الفوضى وأن الخيار الأمثل دائمًا هو حماية وحدة الوطن، وتحركت الدولة عبر مؤسساتها كافة لاحتواء الوضع وفرض الاستقرار.
وأوضح أن وزارتي الدفاع والداخلية نفذتا انتشارا أمنيا واسعا في المحافظة لضبط الأمن، إلا أن الكيان الإسرائيلي سعى إلى تقويض هذه الجهود عبر استهداف منشآت مدنية وحكومية، ما فاقم من حدة التوتر وكاد يؤدي إلى مواجهة مباشرة تم تفاديها بوساطات إقليمية ودولية، شملت أطرافا عربية وأمريكية وتركية.
اقرأ أيضًا
السلطات السورية تسحب قواتها بالكامل من السويداء.. الوضع كارثي مع وجود جثث في الشوارع
أحمد الشرع: سوريا لن تكون مكانا للتقسيم واخترنا عدم المواجهة مع إسرائيل
اندلاع اشتباكات جديدة في السويداء بسوريا منذ قليل (التفاصيل الكاملة)
بالفيديو.. دروز يرفعون العلم الإسرائيلي في سوريا
غارات إسرائيلية على السويداء السورية مع تجدد الاشتباكات الطائفية
بعد أحداث السويداء، وئام وهاب يعلن عن تشكيل "جيش التوحيد" المسلح
سلاح الجو الإسرائيلي يشن غارات على مطار الثعلة ومناطق متفرقة جنوبي سوريا
وأعلن الشرع عن قرار الدولة تفويض عدد من الفصائل المحلية، بالتنسيق مع وجهاء الطائفة الدرزية، بالمشاركة في حفظ الأمن داخل السويداء، معتبرا أن هذه الخطوة تأتي حفاظا على وحدة البلاد، وتفاديا لانزلاق الأمور نحو صدام داخلي، يأتي ذلك في إطار احتواء التوتر.
ولفت إلى أن الدولة تتحمل كامل المسؤولية في حماية أهالي الجبل وصون حقوقهم، متوعدا بمحاسبة كل من تورط في ارتكاب جرائم أو تجاوزات خلال الأحداث الأخيرة، داعيًا جميع السوريين إلى التكاتف والعمل المشترك لبناء سوريا جديدة، قائمة على الوحدة والاستقرار والكرامة.
التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في السويداء
وأعلنت وزارة الداخلية السورية عن التوصل لاتفاق جديد لوقف إطلاق النار في السويداء بعد يوم واحد من إعلان مشابه، وتم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء ونشر حواجز أمنية في المدينة واندماجها الكامل ضمن الدولة السورية، وذلك حسبما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر في وزارة الداخلية.
وعلق على الاتفاق يوسف جربوع شيخ عقل طائفة الدروز أنه بعد الأحداث الأليمة بالسويداء تواصلنا مع الدولة السورية، وتوصلنا إلى اتفاق، مشيرًا إلى أن الاتفاق ينص على إيقاف تام لجميع العمليات العسكرية في المدينة من جميع الأطراف، و”اندماج كامل” للسويداء ضمن الدولة السورية.
دخول الجيش السوري إلى مدينة السويداء
يذكر أن محافظة السويداء قد شهدت خلال الأيام الثلاثة الماضية اشتباكات بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة، إثر اعتداءات استهدفت مدنيين، ما استدعى تدخل الجيش لفرض النظام، وكان قد دخلت قوات الجيش مدينة السويداء جنوبي البلاد، فيما استهدف طيران الاحتلال الإسرائيلي القوات السورية، ومبانٍ سيادية، حسبما أعلنت وكالة الأنباء السورية وفي وقت سابق.
ورحبت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز بسوريا بدخول قوات وزارتَي الداخلية والدفاع لبسط السيطرة على السويداء، وناشدت الفصائل المسلحة في السويداء التعاون مع قوات الداخلية وتسليم أسلحتها، ودعت إلى تفعيل مؤسسات الدولة بالتعاون مع أبناء السويداء.
وعزت وزارة الداخلية السورية ما يحدث في السويداء إلى “غياب مؤسسات الدولة” في المحافظة، وهو ما أدى بحسب بيانها إلى تفشي الفوضى، وعجز المجتمع المحلي عن احتواء الأزمة.
انتهاكات للسويداء والمدن والقرى المجاورة
تعرضت المدن والقرى المجاورة للسويداء لقصف كثيف بالمدفعية وقذائف، بينما حملت وزارة الدفاع السورية في بيان نقلته الوكالة السورية للأنباء "سانا"، جماعات خارجة عن القانون في السويداء مسؤولية انتهاك الهدنة، وذلك حسب موقع السويداء 24 المحلي للأنباء.
بينما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل 12 مدنيا درزيا في عمليات "إعدام ميدانية" نفذتها قوات الأمن السورية بمدينة السويداء التي دخلتها في وقت سابق، بينما جرى تداول مقاطع لعمليات إذلال عبر قص شوارب عدد من الرجال عنوة، وتعرض عدد من الأهالي لعمليات إذلال، وجرى بحسب مقاطع متداوَلة، قص شوارب الرجال عنوة، في مشهد أثار غضبا واسعا بين السكان.
ولفت المرصد إلى أقدم عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية على تنفيذ إعدامات ميدانية طالت 12 مواطنا، عقب اقتحام مضافة آل رضوان في مدينة السويداء، كما أظهر مقطع مصور انتشر على منصات التواصل الاجتماعي أشخاصا يرتدون ملابس مدنية مضرجين بالدماء داخل المضافة، طرح بعضهم أرضا وآخرون على أرائك، وبجانبهم صور لمشايخ دروز ملقاة على الأرض وأثاث مخرب ومبعثر.
تطورات المشهد في السويداء
وتأتي هذه التطورات عقب مقتل 116 شخصا خلال 48 ساعة من القتال العنيف الذي اندلعت شرارته إثر حادثة اعتداء تعرض لها شاب من أبناء السويداء على يد مجموعة مسلحة من أبناء العشائر قرب حاجز المسمية، مما أدى إلى سلسلة من عمليات الاحتجاز المتبادل والاشتباكات المسلحة بين الطرفين.
وتعرضت كنيسة مار ميخائيل، الواقعة في قرية الصورة بريف محافظة السويداء جنوبي سوريا، لأضرار وتخريب، من جراء حريق أضرمته فيها مجموعة مسلحة بشكل متعمد، وتمكن أهالي القرية من السيطرة على الحريق في الكنيسة، إلا أن النيران تسببت في إلحاق أضرار بهيكل الكنيسة التاريخي.
وتضرر سكان القرية من المسيحيين والدروز تعرضوا للتهجير مرة ثانية ونهبت ممتلكاتهم من جديد وأحرقت بيوتهم، حسبما أفادت شبكة "السويداء 24" عن أحد القائمين على خدمة الكنيسة قوله إن الأضرار التي طالت الكنيسة تبدو ناجمة عن عملية تخريب وإحراق في جزء منها.
معارضون يناشدون الشرع بإصدار أوامر بوقف الحرب في السويداء
وناشد يحيى قضماني المعارض السوري البارز ابن مدينة السويداء، الرئيس السوري أحمد الشرع بإصدار أوامره بوقف الحرب الدائرة في السويداء، مشيرا إلى أن سكان المدينة رحبوا بدخول القوات الأمنية بدون مقاومة إلا أنها استباحت منازل الدروز وسرقت منازلهم وحرقت المحال التجارية ونفذت عمليات إعدام ميدانية.
أشار قضماني في منشور له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، إلى أن أحمد الدالاتي قائد الأمن الداخلي في السويداء لم يستطع وقف الجرائم التي قامت بها عناصر في القوات الأمنية التابعة للحكومة السورية في دمشق، مؤكدا وجود كارثة إنسانية في السويداء مع عدم توافر المياه والطعام أو الحليب للأطفال، مناشدا وزارتي الدفاع والداخلية بضرورة وقف الحرب في ظل حالة النفير ببعض المحافظات السورية التي تستعد للتوجه نحو السويداء.
واختتم المعارض السوري منشوره بأن الوضع كارثي في السويداء والناس لم تهيء نفسها لهذا الوضع الخطير لا ماء شرب لا خبز لا حليب للأطفال وأصوات القصف طوال الليل هذا بعهدة جميع السوريين.
موقف إسرائيل من الحرب
شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، سلسلة غارات جوية استهدفت مناطق متفرقة في محافظة السويداء جنوبي سوريا، وحلق الطيران الحربي الإسرائيلي جنوبي البلاد، قبل أن تنفذ غارة استهدفت منطقة الشقراوية في ريف السويداء، أعقبتها ضربات جوية على محيط مطار الثعلة العسكري.
فيما نددت وزارة الخارجية السورية بالاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت مواقع عسكرية ومدنية في الجنوب السوري، معتبرةً أن هذه الهجمات تمثل انتهاكاً خطيراً لسيادة سوريا والقانون الدولي.
وأكدت الخارجية السورية أن الطائرات الإسرائيلية نفّذت غارات جوية متتالية استهدفت مواقع محددة جنوبي البلاد، ما أسفر عن سقوط ضحايا من الجيش والأمن الداخلي والمدنيين، وذلك في بيان صحفي لها.
وأضاف البيان أن الهجوم يأتي في سياق دعم إسرائيل لما وصفتها بـالمجموعات الخارجة عن القانون في الجنوب، في محاولة لضرب الاستقرار وتقويض وحدة الأراضي السورية.
وحمّلت الخارجية السورية إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد، داعيةً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى إدانة هذا "العدوان" والعمل على وقفه فوراً، مشددة على حق سوريا المشروع في الدفاع عن أرضها وشعبها بجميع الوسائل التي يكفلها القانون الدولي.
الأمين العام قلق بشأن استمرار العنف في السويداء
من جانبه، أعرب أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، عن قلقه البالغ إزاء استمرار العنف في محافظة السويداء جنوبي سوريا، والذي أسفر عن عشرات الضحايا، بمن فيهم مدنيون، داعياً إسرائيل إلى وقف انتهاك سيادة سوريا وسلامة أراضيها.
عبر جوتيريش عن قلقه إزاء التقارير التي تتحدث عن عمليات قتل عشوائية للمدنيين، والتحريض الطائفي، ونهب الممتلكات الخاصة، ودانَ جميع أشكال العنف ضد المدنيين، وخاصة الأعمال التي تهدد بإذكاء التوترات الطائفية.
وطالبَ الأمين العام السلطات السورية والقادة المحليين إلى خفض التصعيد فوراً، وحماية المدنيين، واستعادة الهدوء، ومنع المزيد من التحريض، داعياً السلطات السورية إلى التحقيق بشفافية وعلانية ومحاسبة المسؤولين عن تلك الأحداث.
كما عبّر جوتيريش عن قلقه أيضا إزاء الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، داعياً إسرائيل إلى الامتناع عن انتهاك استقلال سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها.