لماذا لا تتوقف الحرب في غزة مثل سائر الجبهات بالمنطقة ؟

غزة، تشهد منطقة الشرق الأوسط والعالم جهود لوقف إطلاق النار في مختلف الجبهات، سواء إنهاء الحرب بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، وكذلك في لبنان رغم وجود اختراق، فضلا عن وقف الحرب بين الهند وباكستان.
قطاع غزة ما زال يعاني من إبادة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين وعدوان غاشم وكثيف من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكلما تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار إما يسفر عن وقف مؤقت أو الفشل واستكمال الحرب، فلماذا لا تهدأ جبهة غزة بشكل دائم مثل هدأت في غيرها من الجبهات؟

صعوبة وقف إطلاق النار في غزة
في هذا الصدد قالت الدكتورة نيفين وهدان، أستاذة العلوم السياسية، إن إسرائيل تتعامل مع قطاع غزة من منظور أمني بحت، يستند إلى استراتيجية ثابتة تُعرف بـ"الردع الدوري المتجدد"، حيث تقوم على توجيه ضربات محسوبة كلما رأت أن معادلة الردع بدأت تتآكل، دون أن تصل إلى اجتياح بري شامل أو اتخاذ قرار نهائي بتفكيك بنية حركة حماس.
وأوضحت في حديث خاص لموقع الأيام المصرية أن هدف هذه السياسة ليس تحقيق نصر عسكري كامل، بل الحفاظ على ميزان ردع مرن ومتجدد يمنع الفصائل الفلسطينية من تطوير قدراتها أو تهديد العمق الإسرائيلي، مع تفادي كلفة الحرب المفتوحة أو الانخراط في مواجهة شاملة طويلة الأمد.
وأضافت أن المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل ترى في أي وقف دائم لإطلاق النار اعترافًا ضمنيًا بشرعية حركة حماس كسلطة قائمة، ذات كيان إداري وعسكري ونفوذ سياسي مستقل، وهو ما يتناقض مع الموقف الإسرائيلي الذي يُصنّف الحركة كمنظمة إرهابية ويرفض التعامل معها كطرف سياسي، ويعتبر بقاءها المسلح في غزة تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل ومشروعها السياسي.
وأكدت وهدان أن تل أبيب تدرك أن تهدئة طويلة الأمد قد تمنح حماس مكانة سياسية مفروضة بحكم الواقع، ما قد يُجبر بعض العواصم الدولية على التعامل معها كفاعل شرعي، وهو ما تعتبره إسرائيل خطرًا مباشرًا على أمنها القومي وروايتها التاريخية للصراع.

سياسة إدارة الصراع بدلاً من حسمه
وأشارت إلى أن إسرائيل، من خلال سياسة إدارة الصراع بدلًا من حسمه، تحقق عدة مكاسب دون أن تتحمل كلفة المواجهة المفتوحة، أبرزها إضعاف مشروع الدولة الفلسطينية عبر إبقاء الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يمنع وحدة القيادة الفلسطينية ويفكك أي فرصة لمفاوضات ذات مصداقية.
وتابعت أن هذه السياسة تُسهم كذلك في تفريغ المقاومة من مضمونها التحرري وتحويلها إلى ملف أمني يخضع لآليات التهدئة والمراقبة، إلى جانب تحلل إسرائيل من مسؤوليات الاحتلال دون التخلي عن السيطرة الفعلية على المجال الجوي والحدود والمعابر.
وشددت على أن إسرائيل تستفيد من تدوير الأزمات، حيث تُستخدم كل جولة تصعيد لتحسين وضع الحكومة داخليًا وتبرير الضربات خارجيًا، موضحة أن هذا النمط من "الردع المتجدد" يبقي غزة تحت سقف أمني مشدد.
وأردفت وهدان أن قطاع غزة يتم ربطه من وجهة نظر إسرائيل وبعض العواصم الغربية بمحور إيران، ما يعقّد المشهد أكثر ويجعل من القطاع ساحة ضمن خريطة الصراعات الإقليمية، وليس مجرد ملف فلسطيني داخلي، وهو ما يقلل من فرص الوصول إلى تهدئة دائمة.

كما لفتت إلى أن الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لا تمارس ضغطًا جديًا نحو حل جذري، بل تكتفي بالسعي إلى تهدئة مؤقتة كلما تصاعدت الكلفة الإنسانية أو ارتفع منسوب التهديد للاستقرار الإقليمي، ما يُعيد الأزمة إلى نقطة الصفر في كل مرة دون المساس بجذورها السياسية.
وأكملت بأن إسرائيل لا تبحث عن حل لغزة، بل عن إدارة طويلة الأمد لصراع يمكن التحكم في إيقاعه واتجاهه، ولذلك فهي ترفض الحسم الكامل كما ترفض وقف إطلاق نار دائم، وتُبقي القطاع في حالة "لا حرب – لا سلم"، تُستعمل كساحة ردع وتحكم سياسي.

وختمت الدكتورة نيفين وهدان قائلًا إن الوضع في غزة سيبقى قائمًا ما دامت العقيدة الأمنية الإسرائيلية ترفض الاعتراف بأي كيان فلسطيني مقاوم مستقل، وما دامت غزة تُعامل كتهديد أمني لا كجزء من تسوية سياسية، مشددة على أنه لا سلام دائم في الأفق، طالما أن الاستراتيجية تقوم على الردع المتجدد لا الاعتراف، وطالما أن القطاع محكوم بسقف أمني لا يُسمح له بتجاوزه.