الإثنين 06 أكتوبر 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

في مثل هذه الأيام من كل عام تعود الذاكرة إلى لحظة فارقة من تاريخ الأمة إلى السادس من أكتوبر 1973 اليوم الذي استعاد فيه المصريون ثقتهم بأنفسهم وبوطنهم وبقدرتهم على كسر المستحيل. كان ذلك النصر أكثر من عبور لقناة السويس كان عبورا من زمن الانكسار إلى زمن الوعي من الهزيمة إلى الكرامة ، من التردد إلى الفعل. 

ومنذ ذلك اليوم لم تعد مصر كما كانت ، لأن روح أكتوبر لم تكن حدثا عابرا بل صارت جينا أصيلا يسكن في وجدان المصريين يُستدعى كلما دقّت ساعة التحدي.

خمسة عقود مرّت تبدلت الأجيال وتغيرت ميادين القتال لكن جوهر المعركة لم يتبدل: هي معركة وعي وبناء وصمود. وإذا كانت معركة 73 قد خيضت على جبهة النار والسلاح ، فإن معركة 2025 تُخاض على جبهة الوعي والتنمية ، حيث البندقية اليوم اسمها “المعلومة”، والخندق هو “العقل”، والعدو هو “الإحباط والشائعة واللايقين”.

في أكتوبر 1973 ، كانت مصر تواجه عدوا واضحا جيشا نظاميا على الضفة الشرقية للقناة ، وكانت البنادق تصطف والخطط تُرسم على خرائط عسكرية. 

أما اليوم فالمعركة أكثر تعقيدا وغموضا؛ لأن العدو غير مرئي ، يتسلل عبر الشاشات والهواتف يضرب في القناعات قبل أن يضرب في الجغرافيا يزرع الشك بدلا من القذائف ويهدم الثقة بدلا من الجسور.

لكن ما لم يتغير هو الروح المصرية ، تلك الروح التي أبهرت العالم في 73 ما زالت هي نفسها التي تُلهم المصريين في 2025 وهي التي جعلت هذا الشعب يصبر على تحديات اقتصادية ويحتمل أعباء التحول ويُكمل طريقه نحو المستقبل بثقة وإيمان. 

فالمصري الذي عبر القناة تحت القصف هو ذاته الذي يبني اليوم طريقا أو مصنعا أو جامعة وسط الصحراء يؤمن أن البناء هو امتداد للعبور وأن التنمية هي وجه آخر للنصر.

في أكتوبر 1973 ، كانت كلمة السر “العبور”، وفي أكتوبر 2025 كلمة السر هي “العبور أيضا”، لكن هذه المرة نحو دولة حديثة قوية قادرة على أن تضمن لأبنائها الكرامة والفرصة والعدالة. 

في الأولى كان العبور ماديا فوق مياه القناة وفي الثانية هو عبور معنوي نحو الوعي والإرادة والعمل.

اقرأ أيضًا:

جيل بلا مرآة.. من يعرف الشباب بأنفسهم؟

على بوابة الغد.. هل نصنع المستقبل أم ننتظره؟

المعركة في 2025 ، ليست معركة جيش فقط ، بل معركة شعب بكل فئاته: العامل في مصنعه والمزارع في حقله والمعلم في فصله والطبيب في مستشفاه والصحفي في قلمه ، فكل من يؤدي عمله بإخلاص يشارك في هذه الحرب الجديدة حرب البناء والبقاء. ومن لا يدرك هذه الحقيقة يظلم نفسه ووطنه لأن النصر اليوم لا يُقاس بمساحة أرض تُسترد ، بل بمساحة وعي يُستعاد ، وبقدر ما نزرع من أمل في عقول شبابنا.

لقد أثبتت السنوات الأخيرة أن مصر لا تعرف الانكسار وأن الدولة التي خرجت من الحروب ومن أزمات متتالية ما زالت واقفة بقوة على قدميها، تُعيد صياغة حاضرها ومستقبلها بإرادة لا تلين. 

من مدن جديدة تنشأ في الصحراء إلى مشروعات حياة كريمة تمتد إلى أعماق الريف من استصلاح الأرض إلى التحول الرقمي ومن إصلاح البنية التحتية إلى إعادة بناء الإنسان ، كلها فصول من “أكتوبر جديد” يُكتب بالعمل لا بالسلاح.

ولأن روح أكتوبر هي روح القيادة الواعية والقرار الصعب ، فإن مصر في 2025 تقف خلف قيادة آمنت منذ اللحظة الأولى أن معركة الوعي لا تقل عن معركة الحرب. 

آمنت أن التنمية لا تكون دون أمن وأن الأمن لا يصمد دون وعي، لذلك نرى اليوم استثمارا غير مسبوق في البشر قبل الحجر في التعليم والثقافة والإعلام لأن المعركة الحقيقية تدور في العقل لا في الميدان.

لقد كان الرئيس السادات في 1973 قائد العبور العسكري ، وجاء الرئيس عبدالفتاح السيسي ليقود عبورا من نوع آخر: عبورا نحو بناء الدولة الحديثة وترميم الوعي واستعادة فكرة “الدولة القادرة”. 

كلاهما واجه ظروفا صعبة ومؤامرات كبيرة لكنهما تشاركا في شيء واحد: الإيمان بالمصري وقدرته على النهوض مهما كانت التحديات.

ولعل أجمل ما في أكتوبر أنه لا ينتمي إلى جيل بعينه بل إلى فكرةٍ خالدة فكرة أن المصري لا يُهزم طالما يؤمن بقضيته. هذه الفكرة تتجدد كلما واجهنا أزمة أو تحديا، في أزمة الإرهاب كانت روح أكتوبر حاضرة ، وفي معركة التنمية كانت هي الدافع وفي مواجهة الشائعات واليأس لا تزال هي الدرع الواقية.

أكتوبر لم يكن نصر جيش فقط بل نصر وعي أمة، لم يكن قرار الحرب مجرد حساب عسكري ، بل كان ثورة في الفكر والإرادة، واليوم نحن بحاجة إلى تجديد تلك الثورة داخل عقولنا، بأن نؤمن أن الإصلاح طريق طويل وأن بناء الدول يحتاج صبرا كالذي احتاجه العبور ، وأن التنمية لا تتحقق بالشعارات، بل بالعمل والعرق والصدق.

من أكتوبر 73 إلى أكتوبر 2025 ، تغير شكل السلاح لكن لم تتغير العقيدة. تغير الميدان لكن لم تتغير الراية، اختلفت أدوات المعركة ، لكن ظل الهدف واحدا وهو أن تبقى مصر قوية قادرة عصية على الانكسار.

وإذا كان جيل أكتوبر قد قدم للوطن أغلى ما يملك من دماء ، فإن جيل اليوم مطالب بأن يقدم للوطن ما يملكه من فكر ووعي وضمير، فالمعارك الحديثة تُخاض بالكلمة والمعلومة والإنتاج لا بالرصاص والمدافع، ومع ذلك تظل الروح نفسها.. روح التضحية والانتماء والإصرار على النصر مهما طال الطريق.

في كل أكتوبر، يتأكد المصريون أن ما حُفر في الوجدان لا يُمحى ، وأن الأوطان لا تُبنى إلا بالذين يؤمنون أن النصر ليس لحظة بل مسيرة. 

قد تتغير الأسلحة والوجوه ، لكن “روح أكتوبر” باقية، تضيء الطريق من معارك الأمس إلى معارك الغد، لتقول لكل من يراهن على سقوط مصر: أنتم لا تعرفون من أنتم تتحدثون عنه فهذه أرضٌ كلما سقطت قذيفة على ترابها، أنبتت إرادة جديدة.

نعم تغيّرت المعركة ، لكن الروح واحدة..
روح وطن لا يعرف الهزيمة.

تم نسخ الرابط