الثلاثاء 23 سبتمبر 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

عند كل منعطف تاريخي تقف الشعوب أمام سؤال مصيري: هل نترك الزمن يفرض علينا ملامحه أم نصوغ بأيدينا ملامح الغد؟ ولعلّ هذا السؤال اليوم أكثر من أي وقت مضى يطرق أبواب وعينا بقوة ونحن نعيش في عالم متغير لا يرحم المتباطئين ولا يلتفت للغائبين عن صناعة القرار.

إن المستقبل ليس محطة قادمة على جدول مواعيد الزمن بل هو مشروع يُبنى بإرادة البشر وعقولهم وعرقهم. من ينتظر أن تُصاغ له ملامح الغد سيجد نفسه متأخرا ، بينما من يملك شجاعة المبادرة والتخطيط والعمل يكون حاضرا في مقاعد الصف الأول حين يكتب تاريخ الأمم. وهنا يكمن الفارق بين شعوب تصنع وتبدع وأخرى تكتفي بالانبهار أو الشكوى أو انتظار المنقذ.

المستقبل لا يرحم من يتعامل معه بخفة. التكنولوجيا اليوم تتسابق الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد الاقتصاد والسياسة المناخ يعيد تشكيل خرائط الزراعة والمياه والتحالفات الدولية تتحرك وفق مصالح متغيرة وسريعة. وسط هذه العواصف لا مجال للجمود أو الاستسلام لفكرة أن "الغد سيأتي وحده". فالغد يأتي نعم لكنه إمّا يأتي قويا بأيدينا أو هشًا على حسابنا.

ولعلّ التجربة المصرية خير شاهد على أن الإرادة الوطنية قادرة على صناعة مسار جديد حتى في أصعب الظروف. فمصر لم تنتظر أن يأتي المستقبل إليها محمّلا بالوعود بل قررت أن تضع أساساته بنفسها. المشروعات القومية المدن الجديدة ، البنية التحتية الحديثة ، والرهان على الشباب والعقول الواعدة؛ كلها شواهد على أن من يملك رؤية للمستقبل يستطيع أن يحوّل التحديات إلى فرص ويحوّل الأزمات إلى انطلاقة.

صناعة المستقبل لا تعني فقط بناء المصانع أو تشييد الطرق بل تعني أيضا بناء الإنسان ، غرس قيم الوعي والجدية، وتجديد علاقة المواطن بوطنه على أساس المشاركة والإيمان المشترك بالقدرة على التغيير. المستقبل يُصنع حين يتحول العمل من مجرد وظيفة إلى رسالة ، وحين يتحول التعليم من تلقين إلى إبداع وحين تصبح السياسة تعبيرا عن وعي وطني جامع لا عن مصالح ضيقة.

نحن بحاجة إلى أن ندرك أن الانتظار يكلّف أكثر مما يكلّف الفعل. انتظار الحلول الجاهزة يفتح الباب للفوضى ، وانتظار العون الخارجي يجعل الإرادة الوطنية رهينة ، وانتظار المعجزات يغلق أبواب الأمل. على العكس تماما فإن العمل ولو بخطوات صغيرة يفتح مساحات أوسع، ويُشعر الناس أنهم صُنّاع الحدث لا مجرد متفرجين.

إن الشعوب التي تصنع مستقبلها هي الشعوب التي تعرف أن الطريق طويل لكنه يستحق وأن الصعوبات قاسية لكنها تُهزم بالإصرار وأن الغد لا يُمنح بل يُنتزع. مصر اليوم على أعتاب مرحلة جديدة حيث يتشكل واقع عالمي مضطرب وتتصارع القوى على النفوذ والموارد لكن وسط كل ذلك يظل الأمل حاضرا ما دامت هناك عقول تفكر وسواعد تعمل وقلوب تؤمن بأن المستقبل ملك لمن يستحقه.

لقد أثبتت التجارب أن الإيجابية ليست رفاهية بل هي شرط أساسي لصناعة الغد. حين يتحول الأمل إلى طاقة عملية يصبح المستحيل ممكنًا. وحين نرى في كل أزمة فرصة نكون قد تجاوزنا نصف الطريق. أما النصف الآخر فهو أن نبدأ من الآن بلا تردد بلا خوف وبإيمان أن الغد ليس بعيدا بل يولد من قرارات اليوم.

إذن نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن ننتظر الغد بقلق فنستيقظ على واقع لم نصنعه بأيدينا أو أن نصعد نحن إلى منصة التاريخ ونكتب روايتنا بمداد الإرادة والعرق والأمل. والاختيار في نهاية المطاف ليس خيار دولة فحسب بل خيار أمة بكل أفرادها خيار كل مواطن يعرف أن مستقبله الشخصي مرهون بمستقبل وطنه.

وعلى بوابة الغد يظل السؤال قائما: هل نصنع المستقبل أم ننتظره؟ والإجابة، ببساطة هي أن الانتظار لم يكن يوما طريق الناجحين وأن الأمم العظيمة لا تعرف الجلوس في صالة الانتظار بل تعرف فقط كيف تصنع قطارها وتسير به نحو ما تريد.

 

 

تم نسخ الرابط