الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

حين تهبط شمس الخميس، ويقترب الليل من نهايته، تبدأ صفحة جديدة من النور تُفتح على أهل الإيمان، إنها صفحة يوم الجمعة. 

اليوم الذي اختاره الله ليكون عيدًا أسبوعيًا للأمة الإسلامية، ويومًا تتنزّل فيه الرحمات وتُغفر فيه الزلات.

فليس من قبيل الصدفة أن يبدأ فجر الجمعة بطمأنينة مختلفة، وأن تتردد في الأذهان آيات وسنن تُوقظ القلوب من غفلتها. 

في هذا التحقيق نغوص في أعماق يوم الجمعة، نكشف أسراره، ونُزيح الستار عن 10 كنوز إلهية خصّ الله بها هذا اليوم، كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، وفسّرها العلماء والفقهاء على مدر العصور والأزمنة.

This may contain: a man in white robe standing next to other men

الكنز الأول: يوم الجمعة ذكره الله في كتابه الكريم

من بين أيام الأسبوع، لم يُذكر صراحة في القرآن إلا يوم الجمعة، بل خُصّ بسورة كاملة تسمى "الجمعة". يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9].

في هذا النداء الإلهي، دعوة صريحة لترك الدنيا حين يعلو صوت المؤذن ويُنادى للصلاة، ففي تلك اللحظة لا تجارة ولا بيع، بل لقاء مع الله.

الكنز الثاني: الجمعة هو يوم خلق آدم وبداية قصة الإنسان

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوم الجمعة هو خير يوم في جميع ايام الأسبوع، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» [رواه مسلم].

إنها رمزية عظيمة، البداية والنهاية... من آدم إلى القيامة، خط الزمن الإنساني يبدأ وينتهي بيوم الجمعة.

الكنز الثالث: في يوم الجمعة ساعة لا يُرد فيها الدعاء

ومن كنوز يوم الجمعة ما لا يُقارن بثمن: ساعة إجابة. ساعة غامضة لكنها مضمونة، من أدركها بإخلاص وصدق الدعاء، نال ما تمنى.

قال صلى الله عليه وسلم: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه» [متفق عليه].

وقد اختلف الصحابة في تحديدها، فمنهم من قال: من جلوس الإمام إلى انقضاء الخطبة، وآخرون قالوا: آخر ساعة من يوم الجمعة، لكن الحكمة الأسمى: أن نُكثر من الدعاء طوال اليوم حتى لا تضيع الفرصة.

الكنز الرابع: صلاة الجمعة تاج العبادات الأسبوعية

صلاة الجمعة فريضة عظيمة، ليست مجرد ركعتين، بل هي مدرسة إيمانية أسبوعية، يُذكر فيها المسلم، ويتزود بخطبة تربي قلبه وعقله، وتكفّر ذنوبه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن ما لم تُغش الكبائر» [رواه مسلم].

ومن تركها تهاونًا، فقد حُرم من خير كثير، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام عن وَدعِهم الجُمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» [رواه مسلم].

Story pin image

الكنز الخامس: الاغتسال والتجمل عبادة في المظهر

ليس الغسل يوم الجمعة نظافةً فقط، بل عبادة يُثاب عليها المسلم، وكذلك التطيب، ولبس أحسن الثياب، والدنو من الإمام، والإنصات للخطبة، كلها سنن تعكس تعظيم هذا اليوم في النفس والمجتمع.

الكنز السادس: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة نور ما بين الجمعتين

عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» [رواه الحاكم].

إنها سورة تأمل وهداية، تذكّرنا بفتن الدنيا الأربع: الدين، المال، السلطة، والعلم، وتُرشدنا إلى الثبات في زمن الفتن.

الكنز السابع: كثرة الصلاة على النبي يوم الجمعة 

إن الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات تُردّدها الألسنة، بل هي عبادة عظيمة، ووسيلة من وسائل التقرب إلى الله، ومفتاح للقبول والبركة في الدنيا والآخرة. 

يقول الله تعالى في كتابه العزيز عن فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}صلى الله عليه وسلم \[الأحزاب: 56].

وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الإكثار من الصلاة عليه، خاصة في يوم الجمعة، فقال صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلتها، فإن صلاتكم معروضة عليّ» [رواه البيهقي وحسنه الألباني].

إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب في رفع الدرجات، وغفران الزلات، وكفاية الهموم، وشفاعة المصطفى يوم القيامة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من صلّى عليَّ صلاةً واحدة، صلّى الله عليه بها عشرًا»صلى الله عليه وسلم [رواه مسلم].

الكنز الثامن: تحري التوبة والرجوع إلى الله

يوم الجمعة فرصة للتوبة النصوح، لتجديد العهد مع الله، وترك المعاصي، وبداية جديدة. ومن رحمات هذا اليوم أن الله يغفر فيه الذنوب بين الجمعتين، ويبدل السيئات حسنات لمن أخلص التوبة.

Story pin image

الكنز التاسع: صدقة يوم الجمعة تجارة لا تبور

الصدقة في يوم الجمعة لها منزلة خاصة ومضاعفة في الأجر والثواب، فهي عبادة عظيمة تُصادف يومًا مباركًا جعله الله عيدًا أسبوعيًا لأمة الإسلام، وميّزه بنفحات من الرحمة والقبول. 

ومَن أراد أن تُبارك له الصدقة، ويجد لها أثرًا في دنياه وأخراه، فليحرص على بذلها في هذا اليوم المبارك.

يقول ابن القيم رحمه الله: "الصدقة يوم الجمعة بالنسبة إلى سائر الأيام في الفضل، كالصدقة في رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور."

فكما يُضاعف الأجر في رمضان، فإن الجمعة هي موسم الخير الأسبوعي الذي تُفتح فيه أبواب السماء وتُعرض فيه الأعمال على الله.

  • الصدقة يوم الجمعة تحمل في طياتها عدة فضائل:
  • أنها توافق ساعة الإجابة، فيكون الدعاء مقبولًا والصدقة مباركة.
  • أنها تأتي بعد الطاعات من صلاة وذكر، فتكون خاتمة عمل صالح يُرفع إلى السماء.
  • أنها سبب في تفريج الكرب، وشفاء المريض، وجلب الرزق، ورفع البلاء.

فمن أراد بابًا للخير لا يُغلق، فليجعل له صدقة في كل جمعة؛ ولو كانت قليلة، فإن الله يُربيها لصاحبها حتى تصبح مثل الجبال.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة" [رواه مسلم]، بل هو يزداد بركة ونماء، لا حسابًا بنكيًا فقط، بل راحة في القلب ورضًا في الروح، وأمنًا من مصائب لا نعلمها.

فالجمعة ليست يوم راحة فقط، بل يوم عطايا ومن أعظم العطايا، أن تكون سببًا في ستر يتيم، أو دواء مريض، أو سدّ جوع مسكين.

Full view

الكنز العاشر: الموت يوم الجمعة نجاة من فتنة القبر

في رحاب يوم الجمعة، تتنزّل البركات وتُكتب للناس رحمات، حتى إن ساعة الموت فيه تحمل خصوصيةً لا تُشبه غيرها من الأيام، فقد روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر».

وهنا تتجلّى رحمة الله بهذا اليوم المبارك، إذ جعله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أمانٍ حتى في لحظة الرحيل، وكأن الجمعة لا تودّع المؤمن إلا وهي تبشّره بالسلامة من أول منازل الآخرة.

وهنا يتضح لنا أن الموت يوم الجمعة ليس كالموت في سواه؛ فمَن خُتمت حياته فيه، فاز ببشرى عظيمة وفضل خاص، ونجا من أهوال فتنة القبر التي يخشاها كل مؤمن، وهي من أولى العقبات في طريق الآخرة.

كيف تستعد ليوم الجمعة؟

يوم الجمعة ليس مجرد عطلة أسبوعية ننام فيها حتى منتصف النهار، ولا يوم كسل وركون إلى الراحة، بل هو يوم نفوس يقظة، وأرواح متوضئة، وقلوب معلقة بالله.

هو عيد الأسبوع للمسلمين، وموسم من مواسم الطاعة، وساعة تُفتح فيها أبواب السماء للدعاء، ويُعرض فيها العمل على الله بأبهى صورة.

لذا، فإن الاستعداد لهذا اليوم المبارك يبدأ من ليلته، بنية صادقة وإقبال حقيقي على الطاعة، وأن يكون الاستعداد لهذا اليوم المبارك على النحو التالي:

  • التوبة الصادقة: اغسل قلبك من ذنوب الأسبوع، وتوجّه إلى الله بقلب منكسر، فالجمعة فرصة لتجديد العهد مع الله.
  • صلاة الجمعة بخشوع: أدِّ صلواتك وكأنها آخر ما تصلي، وخصّ صلاة الفجر بأهمية، فهي مفتاح البركة في يوم الجمعة.
  • الدعاء والرجاء: ابحث عن ساعة الاستجابة، وارفع كفّيك بيقين أن الله لن يردّك خائبًا.
  • قراءة القرآن: خصص وقتًا لقراءة سورة الكهف، وتدبر معانيها، فهي نور ما بين الجمعتين.
  • الصدقة الخفية: إحرص على الصدقة يوم الجمعة ولو كانت شيئاً بسيطًا، فصدقة يوم الجمعة لها وقع خاص في ميزان الأعمال.

والخلاصة أن يوم الجمعة كنز مفتوح لمن أراد أن يغرف من بركات السماء، شريطة أن يعرف كيف يدخل عليه، وبأي قلبٍ يستقبله.

تم نسخ الرابط