من يتحمل تكلفة الرسوم الجمركية؟ خبير يجيب ويكشف المخاطر القادمة

قال الدكتور بلال شعيب، الخبير الاقتصادي، إن الإجراءات الأخيرة بشأن زيادة الرسوم الجمركية تعكس حالة من العبثية في المشهد الاقتصادي العالمي، وخاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي، الذي يعاني مما وصفه بـ"الأمراض الاقتصادية".
الخلل الهيكلي في الميزان التجاري الأمريكي
وأضاف “شعيب” في مداخلة هاتفية عبر قناة النيل للأخبار، أن أول وأبرز هذه الأزمات هو الخلل الهيكلي في الميزان التجاري الأمريكي، والذي يقدر بعجز يتجاوز 2 تريليون دولار، مما يجعل الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من دول مثل الصين وكندا والمكسيك لسد الفجوة في السوق المحلي.

الهدف من الحرب التجارية
وأشار إلى أن الهدف من الحرب التجارية كان تقليص هذا العجز، لكن الإجراءات المتخذة لم تبدأ من تطوير الصناعة كما هو مفترض، بل لجأت إلى حماية غير فعالة عبر فرض رسوم عقابية، وهو ما أدى إلى تعقيد المشهد الاقتصادي بدلًا من حله.
شعيب: الصين وأمريكا تسيطران على 45% من الصناعة العالمية
وأوضح الدكتور بلال شعيب إلى أن الولايات المتحدة تسهم بنحو 15% فقط من حجم القطاع الصناعي العالمي، في حين تتفوق عليها الصين بنسبة 30%، ما يعني أن البلدين يهيمنان على حوالي 45% من الإنتاج الصناعي عالميًا ومع ذلك، لا تزال السياسات الأمريكية غير مستقرة، حيث وصف هذه الرسوم الجمركية بـ"الصفقات"، على طريقة ترامب، بدلًا من الاتفاقيات التجارية المتعارف عليها دوليًا.
وأضاف أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تعامل مع هذه السياسات بحذر شديد، وهو ما دفعه إلى تثبيت أسعار الفائدة لـ 4 جلسات متتالية في عام 2025، رغم أنه كان قد تخلى سابقًا عن سياسة التشديد النقدي بنهاية عام 2024 بعد تطبيقها لأكثر من عامين ونصف.
حالة من عدم اليقين والتأثيرات السلبية عالميًا
أوضح الخبير الاقتصادي أن كل هذه الإجراءات خلقت حالة من عدم اليقين الاقتصادي عالميًا، وكان لها تأثير مباشر على تذبذب أسعار الطاقة، وكذلك على نفسية المستثمرين، الذين بدؤوا في الاتجاه إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب.
وأشار إلى أن حتى حلفاء الولايات المتحدة لم يسلموا من الآثار السلبية لهذه الرسوم، التي وصفها بأنها لا تستند إلى أي أساس علمي أو عملي، وتتناقض مع ما تنادي به أمريكا دائمًا من حرية التجارة والانفتاح على الأسواق.
و هذه الرسوم، بحسب شعيب، تؤدي إلى تباطؤ واضح في النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما أكدت عليه تقارير مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
العالم يعيش حاليًا تحديات كبيرة
ولفت الدكتور بلال شعيب إلى أن العالم يعيش حاليًا تحديات كبيرة، أبرزها أزمة الطاقة، الأمن الغذائي، والتوترات الجيوسياسية والعسكرية التي لم تهدأ بعد، مؤكدًا أن العديد من وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، لم ينفذ منها شيء، مشيرًا إلى أن أغلبها كان مجرد دعاية إعلامية لا تفضي إلى استقرار فعلي، سواء اقتصاديًا أو سياسيًا.
ديون أمريكا تقفز إلى 38 تريليون دولار
كما أشار إلى الارتفاع الكبير في حجم الديون العالمية، والتي تجاوزت 316 تريليون دولار، في حين أن الولايات المتحدة وحدها مدينة بأكثر من 38 تريليون دولار، ما يزيد من تعقيد الموقف الاقتصادي الأمريكي، خاصة في ظل عجز هيكلي في الميزانية.

من يدفع ثمن الرسوم الجمركية؟
في تحليله لآثار هذه الرسوم داخليًا، أوضح شعيب أن من يدفع ثمن هذه السياسات في النهاية هو المواطن الأمريكي فعلى الرغم من وعود ترامب بتخفيض الضرائب، إلا أن الضرائب الفعلية يدفعها المستثمرون، وبالتالي فإن الرسوم الجمركية تستخدم كوسيلة لتحقيق توازن مالي، لكنها ترفع من تكاليف الاستهلاك وتؤدي إلى ارتفاع التضخم مرة أخرى داخل الولايات المتحدة.
العوامل التي دفعت الفيدرالي الأمريكي إلى تثبيت أسعار الفائدة
وأضاف أن هذه العوامل دفعت الفيدرالي الأمريكي إلى التريث وتثبيت أسعار الفائدة، رغم ما تسببه هذه السياسة من ارتفاع تكلفة الدين العام، سواء الداخلي أو الخارجي، الأمر الذي يمثل عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الأمريكي.
اقرأ أيضًا: رسوم ترامب الجمركية تضرب قطاع الأدوية وارتفاع 225% لهذا السبب
ترامب يهدد بزيادة الرسوم الجمركية على الهند بسبب وارداتها من النفط الروسي
توقعات الاقتصاد خلال الفترة المقبلة
في ختام حديثه، أكد الدكتور بلال شعيب أن قراءة المشهد الاقتصادي في الفترة المقبلة غاية في الصعوبة، في ظل غياب رؤية واضحة فيما يخص الرسوم الجمركية والسياسات الاقتصادية المرتبطة بها، موضحًا أن هذه الضبابية تضاعف من حالة عدم اليقين في الأسواق، وهو ما ينعكس سلبًا على قطاعات متعددة مثل شركات التأمين، التي بدأت تتحمل تكاليف إضافية لتأمين الحاويات نتيجة للمخاطر الناتجة عن الحرب التجارية والنزاعات العسكرية.

توقعات أسعار البترول خلال الفترة المقبلة
كما أشار إلى أن توقع أسعار البترول أصبح أمرًا بالغ الصعوبة في هذا السياق، مؤكدًا أن سياسات "الفعل ورد الفعل" بين القوى الكبرى لا تزال تؤجج الوضع الاقتصادي وتمنع أي استقرار عالمي حقيقي.