الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

مع تصاعد الحديث عن تعديل قانون الإيجار القديم في مصر، وبدء مرحلة جديدة من تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، عادت إلى السطح تساؤلات شرعية كانت قد طُويت تحت ركام الزمن، وفي مقدمتها سؤال جوهري:  

هل تجب الزكاة على العقارات المؤجرة؟ فقد مضت سنوات طويلة كان فيها العقار المؤجّر تحت مظلة القانون القديم لا يُمثّل مصدر دخل حقيقي للمالك ولا يُحقّق له عائدًا يُذكر، ما جعل كثيرًا من الملاك يعزفون عن إدخال عقاراتهم في الحسبة الزكوية. 

لكن مع تعديل القانون، وتحرير العلاقة التعاقدية، وعودة الغلة إلى صاحب الملك، بدأت المسألة تُطرح مجددًا، لا من باب النظر الفقهي النظري فحسب، بل من واقع تحوّل قانوني واجتماعي يستدعي فقهًا يتعامل مع التغير لا يتجاهله.

فالزكاة كما هي عبادة قلبية، هي كذلك فريضة مالية تتأثر بالواقع المادي للمكلف، وما عاد يُمكن التغاضي عن أن العقار المؤجّر قد أصبح استثمارًا حقيقيًا يُدرّ دخلاً منتظمًا، يُخطَّط له بعناية، ويُسعّر في السوق، وتُوقّع من أجله العقود المحكمة، ويُعاد بيعه عند ارتفاع القيمة.

وكل هذه المعطيات تجعلنا نعيد النظر في السؤال المشروع: ما حكم الزكاة في العقارات المؤجرة؟ وهل تختلف النية في حال التأجير عن النية في حال البيع؟ وكيف نتعامل مع حالات التداخل بين القنية والتجارة؟

الجواب الشرعي يبدأ من النية؛ فالنية في التملك هي حجر الزاوية الذي تُبنى عليه فريضة الزكاة. 

من اشترى عقارًا بقصد التأجير والانتفاع، فالغالب أنه لا زكاة عليه في أصل العقار، بل في عائد الإيجار فقط، إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول. 

أما من نوى التجارة، أي اشترى بنية البيع والربح عند ارتفاع السعر، فهنا تجب الزكاة في أصل العقار باعتباره من عروض التجارة. 

هذا التفريق قرّره العلماء بالإجماع، وأكّده الإمام النووي وابن قدامة وغيرهم من كبار الفقهاء.

لكن الأمور لا تقف عند النية الظاهرة فقط، بل تمتد إلى ما يسمّى بالنية المركبة، وهي أن يجمع الإنسان في قلبه نية التأجير مع احتمال البيع لاحقًا، فإن جاءه عرض مناسب باع، وإن لم يأتِ، استمر في التأجير. 

هذه النية المزدوجة هي ما جعل الفقهاء يختلفون، فذهب بعضهم إلى ترجيح نية القنية إذا لم تكن التجارة هي الدافع الأساسي، كما عند بعض الأحناف، وذهب آخرون، كالمالكية، إلى أن وجود نية البيع ضمنًا أو صراحة يُوجب الزكاة احتياطًا، لا سيما إذا دعّم ذلك سلوك المالك أو اشتمل العقد على بنود تجارية.

في العقود العقارية الحديثة، كثيرًا ما تنص شركات التقسيط على بند صريح يخول لها إعادة شراء العقار إذا وصل إلى نسبة معينة من الربح، وهذا البند وحده كفيل بتغيير طبيعة التملك من القنية إلى التجارة، لأنه يُظهر نية البيع عند تحقق الربح، وهو ما يجعل الزكاة واجبة على أصل العقار لا على غلته فقط. 

وقد نص الفقهاء على أن القرائن الظاهرة، من سلوك أو عقد، معتبرة شرعًا في كشف حقيقة النية، خاصة إذا اقترنت بتكرار شراء وبيع العقارات بصورة استثمارية منتظمة.

ومن أراد أن يحتاط لدينه، فليعلم أن الزكاة في هذه الحالات لا تسقط بالشك، ولا تُرفع بتأويل النية، بل تُحتسب بحسب الأرجح والأظهر، فإن كان العقار للتأجير فقط، فليزكِّ صاحبه الإيراد السنوي إذا بلغ النصاب، ويُعامل كدخل مالي خاضع للزكاة بنسبة 2.5% بعد مرور الحول. 

أما إن كانت النية بيعية، أو راجحة في القلب، أو مستدل عليها بالعقد، فالزكاة تكون على القيمة السوقية للعقار عند مرور الحول.

بل إن من اشترى عدة عقارات بنية بيعها مستقبلًا، وكان كل منها منفردًا دون النصاب، فعليه أن يجمع قيمتها كلها، فإن بلغ مجموعها النصاب وجبت الزكاة، كما بيّن الإمام ابن قدامة في “المغني”، مؤكدًا أن عروض التجارة تُضم إلى النقد والذهب والفضة لإكمال النصاب، ولا تُنظر متفرقة.

الزكاة ليست عبئًا على المال، بل هي أمان وبركة، تُطهّر النفس، وتزيد البركة في الرزق، وتفتح أبواب الخير للفقير والغني على السواء. 

وقد قال النبي ﷺ: “ما نقص مال من صدقة”، والزكاة باب من أبواب الصدقة المفروضة، ومَن أدّاها بيقين، فتح الله له من خزائن فضله ما لا يُحصى.

إن ما يحدث الآن من إعادة صياغة للعلاقة القانونية بين المالك والمستأجر في مصر، لا يجب أن يُفهم فقط في سياقه التشريعي أو الاقتصادي، بل في سياقه الشرعي أيضًا، فمتى تحقّقت الغلة، وظهرت النية، واستبان مقصد الربح، وجب السؤال: هل زكّيت مالك؟ هل طهّرت ما رزقك الله؟ فإن الزكاة ليست حقًا يُستأذن فيه، بل فرض يؤدى طوعًا، وإن الله غني عن العالمين.

تم نسخ الرابط