
مع اقتراب بدء ماراثون الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ، تتجدد الآمال والطموحات في أن يكون هذا الاستحقاق الانتخابي خطوة جديدة نحو ترسيخ مبدأ التمثيل العادل والمتوازن داخل الحياة النيابية المصرية.
تأتي قضية تمكين المرأة في صدارة هذه الأولويات، باعتبارها قضية وطنية تتعلق بجوهر العدالة والمواطنة، لا مجرد تمثيل شكلي أو رقمي.
لقد قطعت المرأة المصرية شوطًا طويلًا في مسيرتها نحو المشاركة السياسية، وحققت مكاسب مشروعة بفضل نضالها وتاريخها الوطني المشرف، الذي يشهد لها بالجدارة والكفاءة في ميادين العمل العام، بدءًا من مشاركتها في الثورات الوطنية، مرورًا بإسهاماتها في التنمية المجتمعية، وصولًا إلى أروقة البرلمان.

تاريخ المرأة في البرلمان المصري
بدأت رحلة المرأة مع البرلمان رسميًا عام 1957، حين فازت راوية عطية وأمينة شكري بعضوية مجلس الأمة، لتكون مصر أول دولة عربية تُدخل المرأة إلى البرلمان عبر الانتخاب المباشر.
وكان هذا الإنجاز تتويجًا لكفاح طويل قادته نساء مصريات قديرات مثل هُدى شعراوي ودرية شفيق، اللاتي مهدن الطريق لتمكين المرأة سياسيًا واجتماعيًا، ومنذ ذلك التاريخ، توالت الأسماء اللامعة التي تركت بصمات واضحة تحت قبة البرلمان، مثل:
- أنيسة حسونة، التي عُرفت بدفاعها عن القضايا الحقوقية والصحية.
- الدكتورة هبة هجرس، التي مثلت نموذجًا ملهمًا لذوي الهمم داخل الحياة التشريعية.
- فايزة أبو النجا، التي وإن لم تكن نائبة برلمانية، إلا أنها تُعد من أبرز النساء في صياغة السياسات العامة المصرية، ومهدت لتغيير نظرة المجتمع إلى الكفاءة النسائية.
ومع التعديلات الدستورية الأخيرة، أُقرت كوتة المرأة بحد أدنى 25% من مقاعد مجلس النواب، وهو إنجاز تشريعي غير مسبوق، لكنه لا ينبغي أن يُفهم على أنه غاية، بل بداية لمسار طويل نحو شراكة حقيقية وفاعلة في اتخاذ القرار السياسي والتشريعي.

دور المرأة في مجلس الشيوخ والنواب
وجود المرأة تحت قبة البرلمان ليس مجرد تمثيل شكلي، بل ضرورة وطنية وتشريعية، فهي الأقدر على التعبير عن قضايا التعليم والصحة والمرأة والطفولة، وقضايا الريف المهمّشة.
كما أنها تقدم رؤية أكثر شمولية في مناقشة القوانين، خاصة تلك التي تمس المجتمع والأسرة. وفي ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الدولة، فإن صوت المرأة يُعد صمام أمان وضمانة لعدالة التوزيع وصياغة سياسات أكثر إنصافًا للمواطنين.
كما أن مشاركة المرأة في الحياة النيابية تفتح الباب لتغيير الصورة النمطية عن دورها، وتمنح الأجيال الجديدة من الفتيات قدوة يُحتذى بها في خوض غمار العمل العام دون خوف أو تردد.
إن المرحلة الحالية تتطلب منا تمثيل نسائي واسع، لأسباب جوهرية وموضوعية يمكن حصرها في النقاط التالية:
- لأن المرأة تشكل نصف المجتمع، بل وأكثر من ذلك في بعض المحافظات، ولا يجوز أن تُدار السياسات من دون مشاركتها.
- لأن تجارب النساء في الحياة اليومية تجعلهن أكثر دراية بتفاصيل التشريعات الاجتماعية.
- لأن المرأة أثبتت في مواقع المسؤولية أنها قادرة على الإنجاز والانضباط والإبداع في آن واحد.
- لأن التمثيل العادل للمرأة في البرلمان يُعزز من صورة الدولة المصرية الحديثة، التي تُقدّر الكفاءة وتؤمن بالشراكة.
إن بناء برلمان قوي ومتوازن يبدأ من تمثيل حقيقي للمرأة، لا بوصفها مجرد رقم في قائمة انتخابية، بل باعتبارها فاعلًا أساسيًا في صياغة مستقبل هذا الوطن.
ولعل انتخابات مجلس الشيوخ تمثل فرصة لإعادة الاعتبار لهذا الدور، وضمان لأن تُسمع أصوات النساء، وأن تُصاغ السياسات والقوانين بما يعكس حاجاتهن وهمومهن وتطلعاتهن.
لقد آن الأوان لأن تنتقل المرأة المصرية من خانة "الاستحقاق الرمزي" إلى موقع "القرار التشريعي"، وأن يكون مجلس الشيوخ هو المنصة التي تؤسس لهذه الشراكة التاريخية بكل ما تحمله من قيم العدالة والمساواة والتنمية.
إنها ليست معركة نسوية، بل معركة وطنية من أجل برلمان يعكس حقيقة الشعب، بكل فئاته وأحلامه.