علي جمعة: صحيح البخاري كتاب أمة مش مجرد تأليف بشري

أوضح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، أهمية "صحيح البخاري" وخصوصيته في التراث الإسلامي، مبينًا الفرق بين هذا العمل الجليل وغيره من كتب الإمام البخاري التي لم يُلزم فيها نفسه بالصحة كما فعل في "الصحيح".
وأشار الدكتور علي جمعة، إلى أن الإمام البخاري كان أول من جرّد الحديث من الآراء الفقهية، ووضع له أبوابًا تمثل فقهه الخاص، قائلاً إن "الأبواب فقه البخاري"، إذ يظهر من خلال عنوان الباب رأيه الفقهي دون خلطه بالأحاديث، مؤكدًا على أن هذا المنهج جعل الكتاب متماسكًا وواضحًا، مشيرًا إلى أنه لا يمكن تقييم الكتاب وكأنه مجرد اجتهاد فردي.
أبرز تصريحات علي جمعة عن صحيح البخاري
وأوضح علي جمعة، أن الإمام البخاري ألّف عددًا كبيرًا من الكتب، منها: "الأدب المفرد"، و"رفع اليدين"، و"خلق أفعال العباد"، و"التاريخ الكبير"، و"التاريخ الأوسط"، و"التاريخ الصغير"، و"القراءة خلف الإمام"، وغيرها، لكنه لم يلزم نفسه فيها بالصحة كما فعل في "الصحيح"، لأنه كان يرى أن الحديث الضعيف يمكن أن يكون حجة في حال عدم وجود حديث صحيح.
وتناول جمعة طبيعة الأسانيد في "صحيح البخاري"، مشيرًا إلى أنها تتنوع من ثلاثيات إلى تساعيات، مؤكدًا أنه لا يوجد حديث في "الصحيح" بسند يحتوي على عشرة رواة بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يوجد 3، 4، و5، حتى 9، مما يعكس حرصه الشديد على توثيق النقل.
وأكد عضو هيئة كبار العلماء، أن البخاري انتقى رواة كتابه بعناية شديدة، ما دفع بعض العلماء فيما بعد إلى إعداد معاجم خاصة برواة "الصحيح"، ليتبين لهم أن كلهم ثقات.
وقال الدكتور علي جمعة، إن "صحيح البخاري" ليس مجرد كتاب وضعه البخاري، بل أصبح كتاب أمة، موضحًا أن الأمة الإسلامية تبنته، وخدمته، ونقّحت رواياته، ودققت في كل لفظ وأسانيده.
وأضاف أن الإشكال القائم مع منكري السنة يكمن في اعتقادهم أن "صحيح البخاري" مجرد عمل شخصي يمكن انتقاده، بينما الواقع يؤكد أنه نتاج جهد جماعي للأمة عبر العصور. ودعا الراغبين في نقد الإمام البخاري إلى توجيه النقد إلى كتبه الأخرى غير "الصحيح"، لأنه ألف الكثير، بينما "صحيحه" خرج بصورة مختلفة تمامًا.
وأشار إلى أن الأمة عبر العصور تعاملت مع "صحيح البخاري" بطريقة خاصة، فكانت تحلف به، وتتبرك بقراءته في الحروب والمجاعات والكوارث، بل كانت تقرأه كما تقرأ ختمة القرآن، تعبدًا وتعلمًا وتعليمًا، لما فيه من الصحة والانضباط الشديد في الرواية.
الرد على من يطعن في صحيح البخاري
وبين الدكتور علي جمعة، أن علماء الأمة لم يتركوا الحديث يمر دون تمحيص، فإذا وجدوا راويًا عليه ملاحظة، تتبعوا الحديث ذاته من طريق آخر، ليجدوا له سندًا خاليًا من هذا الراوي.
وأعطى جمعة، مثالاً بالإمام الزهري، موضحًا أن البعض قدح فيه، ولكن العلماء تتبعوا الروايات التي ورد فيها الزهري، فوجدوا لها طرقًا أخرى مستقلة تؤكد نفس الحديث، مما يعزز مصداقية "الصحيح".
واستعرض جمعة جهود علماء الأمة في تحليل الأحاديث، متسائلًا: "الحديث الذي رواه أبو هريرة، هل رواه غيره؟"، وأجاب: نعم، رواه 5 أو 6 غيره، وكان العلماء يراجعون هذه الروايات ويقارنونها، ليكتشفوا أن البخاري اختار أفضل الألفاظ، وأكثرها دقة، وأقواها من حيث اللغة والفقه والنحو.
وأكد أن هذا المنهج في التمحيص والتدقيق جعل البخاري في موقع فريد لا يُشق له غبار، ما دفع العلماء إلى التسليم بقوة كتابه، ليس لأنه مجرد تأليف شخصي، بل لأنه أصبح مشروعًا جماعيًا خدمته الأمة بأكملها، قائلا إن “صحيح البخاري” ليس مجهود فرد، بل مجهود أمة.
واختتم الدكتور علي جمعة، حديثه بالتأكيد على ضرورة إدراك مكانة هذا الكتاب عند المسلمين، وفهم أنه ليس فقط كتابًا جمعه الإمام البخاري، بل هو إرث علمي كبير، صقل عبر الأزمان، وتوج بعناية الأمة الإسلامية، في رواياته وأسانيده وألفاظه، حتى أصبح كما وصفه: “كتاب أمة”.