رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ماذا يستفيد لبنان ؟

قالت الدكتورة حياة الحريري الأكاديمية والباحثة السياسية اللبنانية إن رفع العقوبات عن سوريا أمرًا متوقّعًا ولا بد له أن يحدث في نهاية المطاف.
لفتت الدكتورة حياة الحريري في تصريح خاص لموقع الأيام المصرية، إلى أن إسقاط نظام بشار الأسد لم يكن بالصدفة، وكذلك دعم واختيار الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع من قبل دول إقليمية وغربية أيضا لم يكن صدفة بل هي تطبيق لخطة طويلة ومحكمة ومسار طويل للتغيير في سوريا عبر إسقاط النظام في لحظة عرف الشرع بدعم دولي وتحديدا أمريكيّ كيف يستغلّها بعد اغتيال أمين عام حزب الله السابق حسن نصر الله.
وأوضحت الحريري أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية أبدت حذرها من التعامل مع الشرع إلا أنها كانت داعمة لهذا التغيير، حيث إن السبب في الحذر قد يكون إعطاء الوقت للشرع لاختباره، واختبار قدرته على التعامل مع المرحلة الجديدة ومتطلباتها وهي بالدرجة الأولى قدرته على ضبط المجموعات المتشددة، موقفه من المجموعات الأجنبية التي قاتلت إلى جانبه، والأهم موقفه من إسرائيل والصراع معها، وما يؤكد هذا الكلام هو ما صرّح به أحد المسؤولين بأن العلاقة بين الشرع والإدارة الأمريكية قديمة.

دلالات توقيت رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا
وأشارت إلى توقيت ومكان الإعلان عن رفع العقوبات ولذلك دلالات عدة جوهريّة لا يمكن تجاهلها على النحو التالي.
أولًا، جاء الإعلان عن رفع العقوبات بعد بدء أحمد الشرع في تطبيق عدد من الإجراءات التي تصبّ في مصلحة الإدارة الأمريكية مثل التعهد بحماية الأقليات الرسائل المطمئنة في ما يخص العلاقة مع إسرائيل واستعداد الإدارة السورية الجديدة للبحث في الالتحاق باتفاقية أبراهام التطبيعية، امتناع الإدارة السورية الجديدة عن التواصل مع قادة حماس وقيامها بطرد عدد من قياديي الفصائل الفلسطينية والطلب إليهم بنقل عملياتهم إلى خارج سوريا واعتقال آخرين بارزين، ومنع حزب الله من تهريب الأسلحة على الحدود الشرقية مع لبنان. كما لا يجب إغفال العروض التي قدمتها الإدارة الجديدة لترامب نفسه لا سيما في الامتيازات الاقتصادية وبناء البرج، وأمام كل هذه التغييرات الجوهرية التي بدأ الشرع بتطبيقها، كان لا بدّ من إعطاء الشرعية والدعم للإدارة السورية الجديدة لكي تحتوي أي غضب محتمل للشارع السوري لا سيّما في موضوع الصراع مع إسرائيل بدعم الاقتصاد السوري وإعادة الانفتاح الاقتصادي إلى سوريا وهو ما تحتاجه سوريا بالدرجة الأولى أولا لإعادة الأمن الاجتماعي وإعادة الخدمات الأساسية الحياتية إلى سوريا ودعم المجتمع السوري وسحب ذرائع التطرف والتقاتل الداخلي وتحسين مستوى معيشة المواطنين السوريين وهذه أمور يعاني منها السوريون على اختلاف انتماءاتهم.
ثانيا، جاء الإعلان عن رفع العقوبات في المملكة العربية السعودية وتحديدًا بعد طلب مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهذا يعني بالدرجة الأولى تكريس الدور السعودي والمكانة والنفوذ السعوديين في المنطقة لا سيما وأن كل ما حدث في سوريا هو جزء من التبدل الذي يحصل بسرعة في المشهد الإقليمي. فما يحدث في سوريا هو جزء من إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية، من هنا، فإن رمزية الإعلان في المملكة عن رفع العقوبات يكرّس التأثير والنفوذ السعوديين في المنطقة وأيضا يجعل من المملكة هي الراعية أو المظلة لكل الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي من المتوقع أن تشهدها سوريا إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها.

ثالثا، تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن قراره بقبول لقاء الرئيس السوري جاء بطلب تركي وسعودي، وهذا أيضا له دلالاته لا سيّما في ما يتعلّق بمحورية الدور والموقع التركي في سوريا والدعم والاعتراف الأمريكي بدور تركيا وأهميته في سوريا كضامن وراع أساسي في المرحلة الإنتقالية السورية برئاسة الشرع، وهي رسالة إلى إسرائيل بالدرجة الأولى لا سيما في ظل توتر العلاقات بينهما، كما يؤشّر ذلك إلى التعاون الدبلوماسي بين قطبين أساسيين في المنطقة وهما السعودية وتركيا بما تمثلان من ثقل سياسي.

وأكدت الباحثة السياسية اللبنانية أن رفع العقوبات سيشكل نقلة نوعية لسوريا لجهة إدخالها في النظام الاقتصادي الدولي ودعم اقتصادها المنهار ، بعد عقود من العقوبات التي لم تبدأ في 2011 فقط، بل تعود إلى سبعينيات القرن الماضي عندما اتهمت الإدارة الأميركية آنذاك نظام الأسد بدعم الإرهاب ثم في 2004 عندما برز قانون محاسبة سوريا ثم قانون قيصر الذي كان الضربة الأقوى التي أنهكت سوريا لأن القانون ينص على قطع أوصال سوريا اقتصاديًا مع العالم كونه ينصّ على فرض عقوبات على من يتعمل مع النظام السوري السابق.
انعكاسات رفع العقوبات عن سوريا بالنسبة للبنان
كما تحدثت الدكتورة حياة الحريري عن انعكاسات العقوبات بالنسبة للبنان، حيث إن المنطق يقول إن من شأن ذلك أن يعكس إيجابيًا على بيروت أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، على النحو التالي
- أولا، رفع العقوبات يساهم في إعادة إحياء الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة مع لبنان لا سيّما في موضوع الطاقة والكهرباء مع مصر والعراق والأردن.
- ثانيا يسمح ذلك للبنان بإعادة تفعيل التبادلات التجارية مع عدد من الدول العربية ويعيد تنشيط عدد من القطاعات لا سيّما القطاع الزراعي.
- ثالثاً أمنيا وسياسيًا، فقد يؤدي إلى الدفع في موضوع عودة النازحين السوريين وهو الأساس في هذه المرحلة لما يمثّله هذا الموضوع من عبء أمني واقتصادي واجتماعي على لبنان.
كما أعربت عن تخوفها من استمرار الضغط على لبنان اقتصاديًا وسياسيًا إلى حين "التحاق" لبنان بسوريا لتطبيق الشروط الأمريكية مشيرة إلى ما قالته نائبة المبعوث الأمريكي مورغان أورتاغوس في مقابلة لها بأن على لبنان أن يتعلّم من الشرع.
واختتمت الدكتور حياة الحريري الباحثة السياسية اللبنانية داعيةً الدولة اللبنانية أن تحاول الاستفادة من هذا الانفتاح العربي والدولي على سوريا عبر تطبيق فوراً إجراءات إصلاحية ملموسة في الاقتصاد وعبر البدء ببعض الخطوات الأمنية التي تخفف من الضغوط الأمريكية لا سيما في موضوع سلاح المخيمات.