«المتاحف مش مخازن».. تاريخ المتاحف ومستقبلها في عصر التحول الرقمي

في عالم يتغير بوتيرة متسارعة بفعل التكنولوجيا، لم تعد المتاحف مجرد أماكن لعرض القطع الأثرية والتاريخية، بل تحولت إلى مؤسسات ديناميكية تسعى للاندماج في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، ويأتي ذلك في إطار سعيها للحفاظ على التراث من جهة، ومواكبة تطلعات الأجيال الرقمية من جهة أخرى.
المتاحف ذاكرة حضارات عبر العصور
منذ تأسيس أولى المتاحف العامة في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، ظلت المتاحف تمثل خزائن للذاكرة الإنسانية، تحفظ التراث الثقافي والفني للأمم، وتقدم للزوار تجربة معرفية وتاريخية غنية، وقد تطور دور المتحف من مجرد مخزن للقطع الأثرية إلى مركز تعليمي وبحثي ومجتمعي له دور فعال في تشكيل الوعي الثقافي.

في مصر يمتد تاريخ المتاحف إلى أوائل القرن العشرين، وكان المتحف المصري بالتحرير 1902 أحد أبرز النماذج التي جسدت أهمية حفظ الآثار المصرية القديمة، وتبعته عشرات المتاحف القومية والإقليمية والمتخصصة في الفنون، والأدب، والتراث الشعبي، وغيرها.
ولكن مع دخول القرن الحادي والعشرين، ومع تطور أدوات التقنية الحديثة، أصبحت الرقمنة ضرورة حيوية تفرضها طبيعة الجمهور الجديد، الذي يعتمد في أغلب تفاعلاته على الوسائط الرقمية.
وبدأت المتاحف حول العالم ومنها المصرية في تحويل أرشيفاتها إلى نسخ رقمية، وتصميم جولات افتراضية بتقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)، مما جعل التجربة المتحفية تتجاوز حدود الزمان والمكان.
وتتيح هذه التحولات عرض المقتنيات النادرة دون تعريضها للتلف، وتمكين ملايين الأشخاص حول العالم من زيارتها افتراضيًا من منازلهم.
الذكاء الاصطناعي في خدمة المتاحف
ودخل الذكاء الاصطناعي على خط التفاعل المتحفي، حيث بدأت بعض المتاحف باستخدام تقنيات تحليل البيانات لفهم سلوك الزوار، وتصميم محتوى مخصص حسب اهتماماتهم.
كما شهد متحف الفن المصري الحديث ومتحف طه حسين مبادرات لتجربة استخدام الذكاء الاصطناعي في تفسير الأعمال الفنية وتقديم المحتوى بأساليب تفاعلية، كما نظم معرض بعنوان طه حسين في عيون الذكاء الاصطناعي ضمن احتفالات اليوم العالمي للمتاحف 2025.

المنصات الرقمية، المتحف في جيبك
ومن جهتها تحولت الكثير من المتاحف إلى منصات رقمية متاحة على مدار الساعة، من خلال:
- مواقع إلكترونية تفاعلية.
- تطبيقات موبايل تقدم محتوى صوتي ومرئي.
- أرشيفات إلكترونية للمخطوطات والوثائق.
- جولات ثلاثية الأبعاد داخل قاعات العرض.
وهكذا أصبحت المتاحف مؤسسات قادرة على أداء رسالتها حتى في أوقات الأزمات، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19، حيث استمرت الأنشطة التعليمية والثقافية عبر الإنترنت.
التفاعل مع الأجيال الجديدة
لم تعد تقتصر المتاحف اليوم على الفئات التقليدية من الزوار، بل تسعى لجذب الأطفال والمراهقين من خلال:
- ورش تفاعلية مدمجة بالوسائط الرقمية.
- ألعاب تعليمية بتقنيات الواقع المعزز.
- محتوى بلغة مبسطة مع مؤثرات مرئية.
وتقام خلال احتفالية 18 مايو 2025 ورش عديدة في متحف زكريا الخناني وعايدة عبد الكريم، ومتحف محمد ناجي، تستهدف الفئات العمرية من 12 إلى 18 عامًا، وتظهر كيفية دمج الفنون بالتحول الرقمي.
تاريخ المتاحف ومستقبلها في عصر التحول الرقمي
التحديات من التمويل إلى حماية البيانات
ورغم هذه القفزات النوعية تواجه المتاحف تحديات كبيرة، أبرزها:
- نقص التمويل المخصص للتحول الرقمي.
- الحاجة لتأهيل الكوادر البشرية تكنولوجيًا.
- حماية البيانات الرقمية والمقتنيات المؤرشفة إلكترونيًا.
- ضمان جودة التجربة الرقمية بما يعادل نظيرتها الواقعية.

المتحف الرقمي هو المستقبل
لم تعد المتاحف مجرد مباني تحتفظ بالتاريخ، بل باتت واجهات عصرية تتفاعل مع الجمهور بلغته وأدواته، وفي ظل التوجه العالمي نحو التحول الرقمي، تمثل الرقمنة فرصة ذهبية للمتاحف المصرية لإحياء تراثها وتقديمه للعالم بأدوات المستقبل، وما كان بالأمس تجربة مستقبلية، أصبح اليوم ضرورة ثقافية، تضع المتاحف في قلب المجتمع الرقمي العالمي.