«مناورات مع سبق العلم والإصرار».. عالم بالأوقاف ينتقد تصريحات «الهلالي»

الشيخ أحمد تركي .. تصاعدت في الساعات الأخيرة موجة من الجدل داخل الأوساط الدينية والأزهرية، بعد تصريحات مثيرة للدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، طالب فيها بإعادة النظر في بعض المصطلحات المستخدمة في العلوم الشرعية، على رأسها "علم الشريعة" و"علم الكلام"، بالإضافة إلى دعوته لاستبدال كلمة "الفتوى" بمصطلح "الرأي".
وأثارت هذه التصريحات ردود فعل قوية، كان أبرزها تعليق الشيخ أحمد تركي، من علماء وزارة الأوقاف، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، حيث عبر عن استيائه مما وصفه بـ "مناورات الدكتور سعد مع سبق العلم والإصرار"، مشيرًا إلى أن الهلالي يعلم تمامًا حقيقة ما يقوله، ومع ذلك يواصل طرح هذه الآراء المثيرة للجدل.

أحمد تركي هناك فرق واضح بين علم العقيدة وعلم الكلام والهلالي يعلم ذلك
أكد الشيخ أحمد تركي أن الدكتور الهلالي، بصفته أستاذًا للفقه المقارن وليس أستاذًا لعلم الشريعة، يعلم جيدًا الفرق بين "علم العقيدة" و"علم الكلام"، منتقدًا دعوته إلى تغيير اسم العلم المعروف تقليديًا في الأزهر والعالم الإسلامي بـ "علم الكلام"، إلى "علم العقيدة" بدعوى أنه الاسم الأليق لما له من دلالات على القدسية والثبات، مضيفًا أن تغيير الاسم بهذا الشكل قد يحمل في طياته فهمًا مغلوطًا أو تقليلًا من شأن التراث العلمي والفقهي للأمة الإسلامية، الذي بني عبر قرون من الاجتهاد والتراكم المعرفي.
وشدد الشيخ أحمد تركي، على أن الفتوى في أصلها تمثل "رأيًا بشريًا"، مستشهدًا بقول الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، موضحًا أن الفتوى ليست معصومة ما لم تكن في مجال القطعيات والنصوص الواضحة الثابتة، معتبرًا أن كلام الدكتور الهلالي عن ضرورة استبدال كلمة "الفتوى" بـ "الرأي" فيه تحميل زائد لمصطلح الفتوى بقدسية غير لازمة، مؤكدًا أن مفهوم الفتوى في الإسلام واضح، وهو يشمل الاجتهاد المستند إلى النصوص، والمعبر عن رأي الفقيه، مع الإقرار بعدم عصمته.

الفتوى الإنشائية ومسؤولية الاجتهاد الجماعي
وفي رده على مفهوم "الفتوى الإنشائية"، قال الشيخ تركي إنها تمثل نوعًا خاصًا من الفتاوى، يبتكر فيها الفقيه رأيًا في مسألة لا نص فيها، وهذه مسؤولية كبرى لا يمكن أن يقوم بها فرد بمفرده، بل يجب أن تكون ثمرة جهد جماعي لمجموعة علماء يحيطون بكافة العلوم الشرعية والعلمية ذات الصلة، مضيفًا أن الاجتهاد الفردي في هذا العصر لم يعد كافيًا بسبب تشعب القضايا وتعقيداتها، مؤكدًا على ضرورة أن تتبنى المجامع الفقهية هذه النوعية من الفتاوى بدلاً من الأفراد.
الهلالي يدعو لتغيير مصطلحات أساسية في العلوم الإسلامية
وكان الدكتور سعد الدين الهلالي قد كتب منشورًا على صفحته الرسمية على فيسبوك دعا فيه إلى مراجعة بعض المصطلحات المتداولة في التعليم الديني، منها تغيير "علم الكلام" إلى "علم العقيدة"، و"علم الشريعة" إلى "علم الفقه"، موضحًا أن الشريعة هي إنتاج بشري لفهم النصوص، بينما الفقه يمثل كلام الله من خلال فهم العلماء المجتهدين، كما دعا إلى التخلي عن مصطلح "الفتوى" واستبداله بـ "الرأي"، معتبرًا أن الفتوى توحي بقدسية وثبات، في حين أن الرأي هو رأي بشري قابل للنقاش والاختلاف.
ويؤكد العلماء أن مسألة تغيير الأسماء والمصطلحات ليست مجرد تغييرات لغوية، بل هي مرتبطة بسياق تاريخي وعلمي وتشريعي عميق، لا ينبغي التلاعب به دون دراسة دقيقة وتوافق جماعي من علماء الأمة.

وتعكس هذه التصريحات وما تبعها من ردود فعل حالة من النقاش العميق والدائم في المجتمعات الإسلامية بين التيارات التي تدعو إلى التجديد والتحديث في الخطاب الديني، وتلك التي تتمسك بالتراث وتخشى من الانزلاق نحو تأويلات قد تفقد هذا التراث معانيه وثوابته.