الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

أول راقصة باليه محجبة.. رحلة إصرار في مواجهة أصعب التحديات

إنجي الشاذلي أول
إنجي الشاذلي أول راقصة باليه محجبة

أول راقصة باليه محجبة، على خشبة المسرح، كان وقع أقدام البلارينا يشبه همسات الرياح، تتناغم مع مقطوعة "تشايكوفسكي" التي تتراقص في الفضاء كأنها قصيدة موسيقية تروي حكاية.

كانت خطواتها المتقنة، المفعمة بالرشاقة، تلامس الأرض بحذر ونعومة، بينما جسدها يلتف في دوامة من التنقلات المنتظمة التي تكاد تسرق الأنفاس. 

وسط هذا السحر، وقعت "إنجي الشاذلي" في غرام فن الباليه، فكانت تلك اللحظة بمثابة شرارة أشعلت شغفها وتوهج حلمها.

لم تكن تلك الغرامية مجرد شعور عابر، بل كانت بداية رحلة مليئة بالأسئلة والبحث، خاصة في سنوات طفولتها التي لم تتجاوز العشر، حيث تقطعت بها السبل بين شغفها وحيرتها. 

لكن الأمر كان أكبر من مجرد اهتمام عابر، فعيونها التقطت مشهداً لراقصة باليه أضاءت آفاقها، وأثارت في قلبها الرغبة العميقة في اكتشاف هذا الفن. 

فكان القرار: ترك السباحة الإيقاعية والانغماس في عالم الباليه.

ورغم الصدمة التي تلقتها بعد اكتشافها أن سنها قد تجاوز المرحلة العمرية التي يُفترض أن يبدأ منها تعلم الباليه بسنوات، لم تستسلم إنجي لليأس.

بل كانت عزيمتها أقوى من القيود، وواصلت التدريب بجدية وحماس، تُنقل حركات الرقص من شاشة التلفاز إلى جسدها بعينين يقظتين وروح شغوفة. 

وعلى الرغم من غياب المدرب الشخصي، بقيت أحلامها حية، تتحقق في كل حركة وكل لفتة.

لكن السنوات سرقت منها وقتها، فأثقلت كاهلها دراسة الثانوية العامة ثم التزامات الحياة الجامعية، لتبقى تدريباتها المنزلية مجرد ذكريات بعيدة.

 إلا أن عشقها لباليه لم ينطفئ، بل ظل يشتعل في قلبها، وهي تعلم أن جسدها الذي يحمل مرونة السباحة الإيقاعية لا يزال يحمل في طياته قدرات غير مستكشفة. 

وفي لحظة حاسمة، جاء إعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليعيد إشعال الحلم، معلنًا عن دورات لتعليم الباليه للفتيات فوق سن الـ 18. 

كانت تلك فرصتها الثانية.

لكنها لم تكن فرصة سهلة.

 التدريب في المركز اقتصر على حركات بسيطة تهدف للحفاظ على اللياقة البدنية، وهي لم تكن كافية لإشباع رغبتها العميقة في إتقان فن الباليه. 

ورغم كل العوائق، بما فيها تقدمها في السن والحجاب الذي كانت تضعه، لم تيأس. 

تنقلت بين المراكز بحثًا عن ضالتها، حتى عثرت على المكان الذي يفتح أمامها الأفق، مركز تدريب راقصة الباليه الأولى في دار الأوبرا "آنيا"، حيث بدأت تعلم أصول هذا الفن الأصيل.

مرت أيام وساعات من التدريب الشاق، وبينها لحظات ترقب وقلق، حتى جاء اليوم الذي خطت فيه إنجي أولى خطواتها على خشبة المسرح. 

ارتدت فستان العرض الذي أضفت عليه لمسات تتناسب مع وقار الحجاب، وها هي الآن تخطو بثقة على المسرح، ممثلة لحن الباليه بجسدها وعقلها. 

تحت أنغام سيمفونيات "بيتهوفن" و"موتسارت"، نزلت إنجي إلى المسرح لتُبهر الحضور بأدائها المحترف الذي جمع بين التوازن والإبداع. 

ومن هناك، انطلقت نحو العالم، تُسافر مع فرقتها بين العروض الفنية في مختلف أنحاء الوطن العربي، تقدّم أروع عروض الباليه التي تُظهر توازنًا غير مسبوق، كأنما تلامس أطراف أصابعها السماء.

اليوم، تتحدث إنجي بفخر وثقة، وهي تسترجع لحظات الإحباط التي واجهتها، وكل تلك الانتصارات الصغيرة التي جمعتها طوال مسيرتها، لتصبح أكثر عزيمةً من أي وقت مضى. 

قد يكون فن الباليه قد بدا بعيدًا عن متناول يدها في البداية، إلا أن روحها الساعية نحو التميز جعلتها تحقق المستحيل، وتحقق حلمها بأن تقف على أطراف أصابعها في حذاء "البنك شوز" بكل كبرياء واحترافية.

تم نسخ الرابط