لم يعد الفيتو الأمريكي مجرد أداة سياسية داخل أروقة مجلس الأمن وانما تحول إلى رصاصة رحمة تطلقها واشنطن على جسد العدالة الدولية كلما تعلق الأمر بفلسطين. فمع تصاعد المجازر الإسرائيلية في غزة وارتفاع أعداد الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ جاء الفيتو الأخير ليؤكد أن الولايات المتحدة وسيط مزعوم وشريك كامل في الجريمة
إن ما ترتكبه إسرائيل تحت مسمى "العملية العسكرية" ليس إلا سياسة تطهير ممنهجة تتجسد في قصف عشوائي وحصار خانق وتجويع جماعي وتهجير قسري وهو ما يرقى إلى جرائم حرب مكتملة الأركان. وبينما يشهد العالم على هذا المشهد الدموي ويطالب بوقف النار وإدخال المساعدات تصر واشنطن على تعطيل أي قرار أممي يمكن أن يخفف من معاناة المدنيين
الأدهى أن الفيتو الأخير لم يسقط مشروع قرار متحيز للفلسطينيين كما تزعم الرواية الأمريكية المعتادة وانما أفشل نصاً متوازناً صاغته الدول المنتخبة في المجلس كان يدعو فقط لوقف إطلاق النار الإنساني وإطلاق سراح المحتجزين من الجانبين وفتح ممرات الإغاثة. أي أن واشنطن لم ترفض حماية الفلسطينيين فحسب بل عارضت كذلك حماية الإسرائيليين أنفسهم المحتجزين في غزة مما يفضح زيف ادعاءاتها بشأن "الحرص على الأرواح"
لقد أصبحت الولايات المتحدة اليوم في عزلة سياسية وأخلاقية غير مسبوقة فالمظاهرات تجتاح عواصم العالم والرأي العام الدولي يزداد رفضاً للعدوان الإسرائيلي بينما تتجه دول أوروبية كبرى نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ورغم ذلك تصر الإدارة الأمريكية على الارتماء في أحضان حكومة نتنياهو المتطرفة حتى لو كان الثمن هو تقويض ما تبقى من مصداقية المنظومة الدولية
إن الفيتو الأمريكي تحول من مجرد حق نقض إلى حق قتل يُمارس من نيويورك ضد شعب أعزل يذبح يومياً في غزة وإذا استمر هذا الصمت العربي الرسمي وهذا التخاذل الدولي فلن يكون غريباً أن تتحول غزة إلى هيروشيما جديدة لكن على مرأى ومسمع من العالم كله
إن التاريخ سيسجل أن أمريكا لم تستخدم قوتها لإيقاف الحروب أو نصرة القيم بل استعملت نفوذها لتغطية أبشع جرائم العصر بينما كانت دماء الأطفال في غزة تصرخ بلا مجيب.