
حين يتهاوى جدار القيم أمام عواصف الشهوات الرقمية، ويصبح الهاتف في يد الشاب نافذة بلا حارس على كل فكر وسلوك، ندرك أن الخطر لم يعد بعيدًا عن بيوتنا.
تطبيق تيك توك، الذي يتسلل إلى ساعاتنا وأفكارنا، لم يعد مجرد منصة ترفيهية، بل ساحة مفتوحة تتصارع فيها القيم والمغريات، وتُختبر فيها صلابة التربية والإيمان.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، وهذه الآية الكريمة تجعلنا نتأمل في حجم المسؤولية أمام ما نشاهده ونسمعه عبر هذه المنصات.
فما يبثه تيك توك من مقاطع، كثير منها يروج لمظاهر الفسق والاستهزاء بالقيم، هو مما يحاسب عليه العبد إذا لم يغض بصره ويحفظ قلبه.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» [رواه الترمذي].
وأي شيء أحق بالترك من إضاعة الساعات أمام مقاطع لا تنفع، وربما تضر، وتزرع في النفوس حب الشهرة المفرغة من المعنى، أو الانبهار بسلوكيات شاذة عن فطرة الإنسان السوية؟

القضية ليست في تيك توك وحده، بل في سيطرة «هوس المشاهدات» على عقلية الشباب، حتى بات معيار النجاح هو عدد الإعجابات والمتابعين، لا العلم ولا الخلق ولا الإبداع الحقيقي.
وهذا هو ما حذّر منه الإمام الشافعي رحمه الله حين قال: «إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل».
غياب التربية الإيمانية والوعي الأسري يجعل هذه المنصات تقتلع جذور الهوية، وتعيد تشكيل العقول وفق خوارزميات الربح التجاري لا وفق ميزان القيم.
ولذا، فإن دور الأسرة والمجتمع هو إقامة سياج من الوعي، وتعليم الأبناء أن الحرية الرقمية مسؤولية، وأن كل ما يُنشر يُعرض على ميزان الشرع والأخلاق.
وقد أصبحت الحاجة ملحة لإطلاق محتوى هادف يزاحم هذا السيل الجارف من التفاهة، ويثبت في عقول الشباب أن المنصات الرقمية يمكن أن تكون جسرًا للعلم والخير، لا هاوية للسقوط والانحراف.
قال الله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ [التوبة: 105]، فالعمل الصالح لا ينحصر في المسجد أو ساحة التطوع، بل يمتد ليشمل ما ننشره ونشارك به من خير على هذه المنصات.
والسؤال الجاد اليوم: هل نمتلك الشجاعة لوضع ضوابط تحمي أبناءنا من الانجراف، وتغرس فيهم فقه الاستخدام الرشيد للتقنية، قبل أن تصبح التقنية هي