التجويع، سلاح إسرائيل في حريها ضد غزة لإبادة الشعب بالكامل (خاص بالصور)

بدأت سياسة التجويع منذ أشهر، لتصبح وثيقة دامغة لتاريخ إنساني يتشكل تحت أنقاض الحصار والحرب، أطفال نحيلون حتى التلاشي، وجوههم ذابلة، أضلعهم بارزة، إذ كانت المؤشرات واضحة، طعام شحيح، قوافل الإغاثة تُقصف، طوابير طويلة بانتظار وجبة لا تكفي، وتحذيرات دولية متكررة من مجاعة وشيكة، وقنص كل من يدنو للحصول على الطعام.

وفي تصريح خاص لـ «الأيام المصرية»، يقول في هذا الصدد الدكتور شفيق التلولي الكاتب والسياسي وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، “هناك مقاربات بين سياسة الاحتلال في انتهاج سياسة التجويع، فمنذ بداية الحرب ونتنياهو ينتهج هذه السياسة على حساب الشعب الفلسطيني، وتجلى ذلك في حشد الفلسطينيين في أماكن محددة في المخيمات ومنع الدواء عنهم وكل أشكال الحياة”.
سياسة التجويع مجاعة مقصودة
وحول سياسة التجويع وما إذا كان ما يحدث في غزة هو مجاعة أم لا، أشار الدكتور شفيق إلى أن موضوع الغذاء يتجلى في قمة الأولويات المهمة بالنسبة للإنسان، والآن بدأت ملامح المجاعة تتجلى في القطاع بأكمله فهناك شيوخ ونساء وأطفال ورجال يموتون بسبب الجوع ويسقطون في الشارع نتيجة فقدان كل المواد التأمينية والتخزينية، فعندما يبحث الإنسان على دقيق أو رغيف الخبز فهذا قمة المجاعة.

وأضاف أن سياسة التجويع قمة المأساة التي يعتمد عليها نتنياهو ويحاول أن يغلف ذلك من خلال محاولة إمداد مؤسسة غزة الإنسانية ولكن حقيقة الأمر أن هذه المؤسسة تساهم في تجويع الإنسان، وهي مصدر له أيضًا في قنص الفلسطينيين، والمجاعة التي تضرب في غزة عن قصد أساسها الزج بالفلسطينيين للتهجير خارج الأراضي الفلسطينية وبالتالي تنفيذ المشروع السياسي الذي ترمي اليه حكومة الإسرائيلي، تصفية القضية الفلسطينية، وخلق بيئة طاردة تمامًا، وممارسة نتنياهو لسياسة التجويع هو أقصى وأقسى أنواع الإبادة الجماعية التي ينتهجها.
اقرأ أيضًا
نشوى الحوفي: حماس هي من تسبب في تجويع أهل غزة وإبادتهم (فيديو)
عشرات الإسرائيليين يتظاهرون أمام السفارة الأمريكية ضد تجويع غزة
في غزة يموت الإنسان وهو ينتظر طعامه (فيديو وصور)
تجويع غزة، أكثر من 100 منظمة تطالب بضغط دولي على إسرائيل لفتح المعابر
بعد اعتراف 15 دولة، هل تخرج الدولة الفلسطينية للنور قريبًا؟ (خاص)
المواطن الفلسطيني يواجه الموت في بيته والخارج
وأردف الدكتور شفيق أنه ليس أمام المواطن الفلسطيني سوى الموت إما في بيته من الجوع أو في الخارج من القصف، وقد تعرت تل أبيب أمام العالم جراء هذه الفضيحة، داعيًا العالم أن يتحرك لإنقاذ قطاع غزة أو حتى نبذ دولة الاحتلال، لأن ما يحدث هو قمة المأساة، وأحد شروط الحياة الكريمة للإنسان أن يتوفر له المأكل والمشرب، ولكن المواطن في غزة بات يبحث عما يسد رمقه حتى لو كِسرة طعام قديمة.

وأكد الدكتور شفيق أنه آن الأوان لوقف هذه السياسة التجويعية وحرب الإبادة الجماعية التي ينتهجها نتنياهو لأن لو حدث هذا الأمر في مكان آخر لقامت الدنيا ولم تقعد، وهنا تتجلى سياسة ازدواجية المعايير والكلمة خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تشاهد هذه الجرائم وخاصة جريمة التجويع.
أسوأ سيناريو للمجاعة يواجه غزة
وفي الأثناء، يحذر التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي من أن غزة تشهد أسوأ سيناريو للمجاعة، إذ يعاني عشرات الآلاف من الأطفال من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم، إذ يواجه نحو 500 ألف شخص خطر المجاعة في وقت تستمر فيه إسرائيل في منع دخول المساعدات الغذائية والحيوية إلى القطاع.

وترتكب إسرائيل ترتكب جريمة نادرة من نوعها في القرن الـ 21، الذي شهد عددًا من المجاعات أغلبها إثر صراعات عسكرية.
منصة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي تحذر
وفي السياق، حذّرت منصة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من أن أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث حاليا في غزة، مرجحة وفيات واسعة النطاق في حال عدم التحرك لاتخاذ إجراءات فورية.

تقارير الأمم المتحدة عن سوء التغذية الحاد في غزة
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود 10 آلاف حالة سوء تغذية حاد لدى الأطفال منذ يناير 2025، بما في ذلك 1600 تتطلب رعاية فورية، فضلًا عن تقارير تفيد بعشرات الوفيات المرتبطة بالجوع منذ ما يقرب من عامين من الحرب والحصار الإسرائيلي على القطاع، لم تعلن المجاعة رسميا، وأصبحت غزة على شفا مجاعة، إذ تم بلوغ حدين من 3 حدود، ولا يمكن إثبات المعيار الثالث للمجاعة، وهو الوفيات الناجمة عن سوء التغذية.
غزة في مجاعة
قد تكون دخلت غزة بالفعل حدود المجاعة، ولكن يرجع ذلك نتيجة نقص البيانات الدقيقة حول سوء التغذية الحاد والوفيات المرتبطة به نتيجة انهيار الأنظمة الصحية، حال دون الإعلان الرسمي عن المجاعة.

ويذكر أن إسرائيل، فرضت حصار عسكري شامل على غزة منذ أوائل مارس، ما أدى لإدانات واسعة النطاق لإسرائيل، إذ وصف توم فليتشر منسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة، أن قرار وقف المساعدات الإنسانية بالعقاب الجماعي القاسي.
التجويع كسياسة سلاح حرب
وتستخدم إسرائيل التجويع كسياسة سلاح حرب وعلاقته بالاستراتيجية السياسية والعسكرية، وذلك حسبما كشفت مجلة العدالة الجنائية والدولية التابعة لأكاديمية أكسفورد، وهدفها الأول هو القتل الجماعي، ومع ذلك، لا يشترط أن يموت شعب كامل جوعًا لكي يعتبر التجويع إبادة جماعية، ولكن يجب إثبات أن الجاني كان يهدف عمدا إلى القضاء على جزء كبير من السكان.

من الأمثلة القليلة، لاستخدام التجويع من أجل الإبادة، مقتل عشرات الآلاف من قبائل الهيريرو والناما في بداية القرن الـ 20، وكانت ناميبيا تحت حكم ألمانيا الاستعمارية آنذاك وخلال تلك الفترة، قامت قبائل هيريرو وناما بالثورة ضد الألمان، وبعد قمع التمرد، أجبرت القوات الألمانية، أفراد القبائل على التوجه نحو صحراء كالاهاري القاحلة، إذ أغلقت جميع مصادر المياه في وجههم، وهذا تسبب في موتهم عطشا وجوعا، أما الذين حاولوا الفرار أو النجاة، فتعرضوا لإطلاق النار عليهم ومن بينهم نساء وأطفال.

حصار لينينجراد
كما حاصرت قوات ألمانيا مدينة لينينجراد سانت بطرسبرغ حاليًا بين عامي 1941 و1944، وهي من أخطر نماذج التجويع القسري ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، في محاولة لعزلها بالكامل عن بقية الاتحاد السوفياتي من دون الحاجة لاحتلالها عسكريا.
واستمر الحصار لأكثر من 800 يوما، مخلفًا نحو مليون قتيل، وخلال تلك الفترة، انقطعت كل طرق الإمداد عن المدينة، باستثناء ممر عبر بحيرة متجمدة يسمى "طريق الحياة"، الذي كثيرا ما كان يتعرض للقصف.

وعانى سكان المدينة من جوع شديد بسبب نقص الغذاء وفي شتاء 1941-1942، ازدادت المعاناة بسبب البرد القارس، إذ وصلت درجات الحرارة إلى 38 تحت الصفر، وتوفي كثير من الناس من البرد والجوع.
الصومال والسودان
ولم يعلن التصنيف المرحلي المتكامل عن مجاعة رسميا إلا نادرًا، لأنها تستند إلى معايير صارمة، تشمل نسبة السكان الذين يواجهون نقصا حادا في الغذاء، ومعدلات سوء التغذية الحاد، ومعدل الوفيات اليومي، لكنه أعلن عن مجاعة في الصومال عام 2011، وجنوب السودان عامي 2017 و2020، وأجزاء من إقليم دارفور غرب السودان العام الماضي.

تتكشف ملامح جريمة معقدة لا تقف عند حدود القصف والقتل المباشر، بل تمتد إلى استخدام الجوع كسلاح منهجي لإخضاع السكان المدنيين، وذلك منذ بداية العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.

فضلًا عن خطة الجوع النازية، التي أسفرت عن موت ملايين في أوكرانيا وروسيا بهدف السيطرة الغذائية على الشعوب، وتجويع الشعب في بيافرا (نيجيريا)، وكانت عبارة عن فرض حصار تسبب في مجاعة أودت بحياة نحو مليوني مدني، وهولودومور (أوكرانيا 1932–1933) التي استخدم النظام السوفياتي التجويع لترويض الفلاحين الأوكرانيين، والمجاعة الأيرلندية الكبرى التي أدت إلى وفاة وتهجير الملايين نتيجة سياسات استعمارية بريطانية ممنهجة.

وفي العصر الحديث سياسة تجويع العراق م خلال فرض الحصار الأممي في التسعينيات أسهم في وفاة مئات آلاف الأطفال، وتفكك بنية الدولة والمجتمع، كذلك اليمن، إذ تسببت الحرب في مجاعات حادة، وانهيار كامل لمنظومة الرعاية الصحية، وتهجير داخلي جماعي.

ويطلق على هذه السياسة في الدراسات الحقوقية والإنسانية مصطلح هندسة التجويع، ليست جديدة في تاريخ الصراعات، لكنها في غزة تأخذ شكلا مركبا وخطيرا من حيث الحجم والآليات والآثار طويلة الأمد.



