الأربعاء 20 أغسطس 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

ليس مشهدًا عابرًا ولا صورة دعائية حين يصطف المواطنون أمام لجان الاقتراع لليوم الثاني على التوالي في انتخابات مجلس الشيوخ المصري 2025، بل هو مشهد له دلالته السياسية العميقة

وبُعده الوطني الصارخ، ورسائله الصلبة التي تعبر حدود الداخل نحو الخارج، حيث تتابع الأبصار المرتعشة كل لقطة ومقطع ومشهد يعكس وعي المصريين وثقتهم في دولتهم.

فالصندوق الانتخابي لم يكن يومًا مجرّد أداة دستورية لتسجيل الأصوات، بل تحوّل إلى رمزية سيادية عالية، عنوانها أن الشعب شريك مباشر في هندسة القرار الوطني، وضامن حقيقي لشرعية المؤسسات.

في كل مرة يذهب فيها المواطن إلى لجنته الانتخابية، تُصاب جماعات التطرف، وتيارات الفوضى، وأجهزة الدعاية المضادة، بحالة من الذعر. 

لأن التوافد الشعبي ينسف ادعاءاتهم، ويهزّ عرش سردياتهم التي لا تقوم إلا على فرضية أن الدولة بلا ظهير شعبي. 

والمفارقة أنهم يدركون أن مشاركة حقيقية واحدة كافية لإسقاط آلاف المقاطع المفبركة والتقارير الزائفة. 

لذلك يُجن جنونهم حين يرون الطوابير تمتد، والابتسامات تعلو الوجوه، والتصويت يتحول إلى فعل وطني مقاوم. 

فالذي يخوض المعركة من خلف الشاشات لا يخيفه السلاح، بل يخيفه صوت المواطن حين يتحول إلى رصاصة في وجه التحريض، وصندوق الاقتراع حين يتحول إلى سلاح لإسقاط الفوضى.

الرهان الحقيقي في كل استحقاق انتخابي لا يكون على المرشحين وحدهم، بل على الشعب نفسه، ووعيه، وحضوره، وإيمانه بأن صوته ليس مجرد رأي، بل موقف من قضايا الدولة وكيانها وهويتها. 

لهذا، فإن مشهد الصندوق لا يكتمل فقط بورقة توضع داخله، بل بحالة وطنية تتجاوز الفعل الفردي إلى المعنى الجمعي، حيث يصبح كل صوت جزءًا من شبكة حماية سياسية واجتماعية واقتصادية. 

وفي ظل وجود أكثر من 67 مليون ناخب مقيد في قاعدة بيانات الهيئة الوطنية للانتخابات، تصبح نسبة الإقبال ليست فقط مؤشرًا ديمقراطيًا، بل صكًّا متجددًا لشرعية النظام السياسي واستقراره.

لذلك كان طبيعيًا أن تنشط منابر الفوضى لتشويه هذا المشهد، عبر حملات إلكترونية محكمة التنظيم تبدأ من دعوات المقاطعة، وتمر عبر نشر الشائعات، ولا تنتهي عند محاولات التشكيك في نزاهة الإجراءات أو نزول المواطنين. 

وكل ذلك يتزامن مع إنتاج محتوى مرئي مفبرك، وشهادات مزيفة عن غياب الإقبال أو افتقاد الثقة. 

لكن الصورة الحية كانت أبلغ من كل محاولة تضليل، والتقارير الرسمية التي رصدت انتظام العملية الانتخابية أكدت أن الدولة لم تتوقف عند حدود الإجراءات، بل مدت يدها للتيسير على المواطنين، وشهدت اللجان وجودًا كثيفًا خاصة من النساء وكبار السن في عدة محافظات، بما يعكس أن المشاركة لم تكن مفروضة ولا مصطنعة، بل جاءت طوعية، وعن قناعة، وبدافع الإحساس بالمسؤولية.

وحده المواطن الواعي كان خط الدفاع الأول في هذه المعركة الرمزية، إذ لم يتأثر بحملات التشكيك، ولم ينجر إلى خطاب التثبيط، بل اختار أن يكون فاعلًا، لا متفرجًا، مشاركًا لا محايدًا. 

وهذا الوعي هو الذي يصنع الفرق بين وطن يكتب تاريخه بنفسه، ووطن تُكتب نهاياته بأيدي خصومه. 

لذلك فإن مشهد الإقبال لا يُقاس فقط بالأرقام، رغم أن الأرقام مهمة، بل يُقاس بحجم الرسائل التي يرسلها للمراقب والمندس، وللصديق والعدو على حد سواء. فحين تتكرر صور المواطن وهو يحمل علم بلاده، ويقف في صف طويل تحت شمس أغسطس، فقط ليقول “أنا هنا”، فإن الرسالة تصل مباشرة إلى حيث يجب أن تصل: مصر قوية بشعبها، ولن تُستباح إرادتها مرة أخرى.

أما الإعلام الوطني، فقد كان شريكًا في هذه المعركة، لا مجرد ناقل لها.

إذ أسهم في توثيق المشهد، وكشف حملات الزيف، وتقديم رواية معاكسة تقوم على الشفافية والاحتراف. 

كما كان الصوت المضاد لتلك المنصات الخارجية التي اعتادت أن تصف مصر بما لا تراه، وتبني تقاريرها على ما تتمنى لا على ما يحدث. 

وفي ظل وجود رقابة قضائية كاملة على كل اللجان، ووجود بعثات رقابية محلية ودولية، فإن نزاهة العملية الانتخابية لم تعد محل نقاش، بل أصبحت أحد مكاسب الدولة المصرية الحديثة التي تخوض تجربتها الديمقراطية وفقًا لخصوصية مجتمعها واستحقاقات مرحلتها.

إن الصندوق الانتخابي ليس مجرد وسيلة، بل معركة، لا بالسلاح، بل بالوعي، لا بالرصاص، بل بالحضور. 

ولهذا، فإن أكثر ما يُقلق أعداء الوطن هو أن يرى شعبه حاضرًا، وواعياً، ومرابطًا عند كل مفترق طريق. 

ففي كل مرة تُفتح فيها اللجان، تُغلق أبواب الفتنة، وفي كل مرة تُلقى فيها ورقة في الصندوق، تُسقط ورقة من أجندات من لا يريدون لمصر أن تنهض.

تم نسخ الرابط