
في كل مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي في بلادنا، ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، تتكرر ظاهرة قديمة بأدوات جديدة ظاهرة الشائعات المغرضة التي تضرب الوعي المجتمعي وتستهدف ثقة الناس في مؤسساتهم الوطنية.
ولعل انتخابات مجلس الشيوخ 2025 ليست استثناءً، إذ بدأت بعض الأصوات تبث سمومها لتشكيك الناخبين في أهمية المشاركة، وتروّج الأكاذيب لتثبيط همم الشباب، وخلق أجواء من التراخي واللامبالاة.
وهنا يبرز الواجب الديني في التصدي لهذا التيار، وبيان حكم الشرع في مثل هذه الممارسات التي تهدد سلامة المجتمع واستقراره.
الانتخابات مسؤولية شرعية لا تقل عن أداء الشهادة
في ميزان الشريعة الإسلامية، الانتخابات ليست مجرّد إجراء إداري أو واجب قانوني، بل هي أمانة وشهادة يجب أداؤها بحق وعدل. والله تعالى يقول:
“إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” [النساء: 58].
فالمشاركة في اختيار من يُمثّل الناس ويضع التشريعات التي تنظم حياتهم تقع تحت هذا المعنى العميق للأمانة، وهي شهادة في حق الوطن والمجتمع، والله تعالى يقول:
“ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه” [البقرة: 283].
ولذلك فإن الامتناع عن المشاركة أو الاستهانة بها يُعدّ تفريطًا في أداء واجب شرعي ووطني، لا سيما إن ترتب على هذا التخاذل تمكين غير الأكفاء أو المفسدين.
حرمة الشائعات في الإسلام: الفتنة أشد من القتل
إن ترويج الشائعات من أخطر ما يُفسد المجتمعات ويُربك الأوطان، وهو عمل محرّم في الإسلام تحريمًا قاطعًا، لأنه يهدم الثقة، ويثير البلبلة، ويشوّه الحقائق.
قال الله تعالى: “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ” [النور: 15].
فهذه الآية تحذر من خطورة إطلاق الألسن بالكلام دون علم، وتُبيّن أن هذا الفعل قد يُستهان به في الظاهر، لكنه عند الله عظيم، لأنه يُمكن أن يشعل فتنة أو يدمّر مجتمعًا.
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا السلوك قائلًا: “كفى بالمرء كذبًا أن يُحدث بكل ما سمع” (رواه مسلم).
فكيف بمن يفتعل الأكاذيب، ويُغلفها بعبارات تضليلية، بهدف التأثير على إرادة الناس في الاستحقاقات الوطنية؟
الشائعات تهدد الاستقرار وتفتح الباب للفتنة
لا يخفى على أحد خطورة الشائعات في ضرب استقرار المجتمعات، لا سيما حين تكون موجهة ضد الانتخابات، وهي العملية التي تُنظّم انتقال السلطة وتمثيل الشعب.
إن نشر الشكوك حول نزاهة الانتخابات، أو التشكيك في قدرة الدولة على تأمينها، أو اتهام مؤسساتها دون بيّنة، هو من باب الإفساد في الأرض، والله تعالى يقول:
“ولا تُفسدوا في الأرض بعد إصلاحها” [الأعراف: 56].
فكل من يشارك في نشر الشائعات أو إعادة تدويرها يقع في إثم عظيم، لأن ذلك يُضعف الثقة العامة ويمنح الفرصة لأصحاب الأجندات التخريبية.
الشورى والمشاركة السياسية من صميم تعاليم الإسلام
إن الشورى أصل راسخ في الإسلام، وقد أمر الله بها نبيه ﷺ في قوله: “وشاورهم في الأمر” [آل عمران: 159]
وأثنى الله على المؤمنين بقوله: “وأمرهم شورى بينهم” [الشورى: 38].
والمشاركة في الانتخابات هي من صور الشورى المعاصرة، وهي وسيلة لإبداء الرأي واختيار من يمثّل الإرادة العامة.
والمؤمن مأمور بالمشاركة البناءة، لا بالعزلة السلبية، لأن ترك الساحة قد يؤدي إلى تسلّط من لا يستحق، وفي ذلك يقول النبي ﷺ:
“إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تُودّع منهم” (رواه الحاكم).
رسالة إلى الشباب: أنتم أمناء المستقبل
إن الإسلام يحمل الشباب مسؤولية بناء المجتمع والدفاع عنه، وليس الانزواء أو اللامبالاة، فالشباب في الشريعة هم طاقة التغيير وروح الإصلاح، والله تعالى قال في وصف أصحاب الكهف: “إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى” [الكهف: 13].
أيها الشباب، إن صوتكم أمانة، ومواقفكم تصنع الفارق، وامتناعكم عن التصويت أو انسياقكم وراء الشائعات يُعدّ خذلانًا للحق وتفريطًا في المسؤولية.
وقد قال النبي ﷺ: “كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته”، وإن من الرعية اليوم: وطنكم، ومستقبل مؤسساته، وحرياته، وتقدمه.
الإعلام الديني شريك في صناعة الوعي
يجب أن تكون المساجد، والخطب، والبرامج الدينية، والمحتوى الإسلامي الموجه للشباب، جزءًا من جهود بناء الوعي، والتصدي للفتنة، ودحض الشائعات.
فعندما يغيب الصوت الديني المعتدل، يجد المضللون الفرصة لتمرير سمومهم في غفلة من الناس.
إن أمانة الكلمة، وواجب المشاركة، وحماية الوطن، ليست شعارات سياسية فحسب، بل هي فرائض دينية وأخلاقية، لا يُعفى منها أحد.
فلنقف صفًا واحدًا ضد الشائعات، ولنُقبل على صناديق الاقتراع بأرواح مؤمنة، نختار الأفضل، ونؤدي الشهادة، ونبني وطنًا يستحقنا.