مع تسارع التحولات العالمية في التعليم وظهور الحاجة إلى أنماط تعليمية جديدة، بدأت مصر تخطو خطوات واثقة نحو تأسيس جامعات أهلية تُشكّل حلقة متقدمة ضمن منظومة التعليم العالي، وتحاكي النماذج الحديثة عالميًا.
وفي هذا السياق، أعلنت أمانة مجلس الجامعات الأهلية فتح باب الترشح لشغل منصب رئيس جامعة أهلية لعدد من الجامعات، في إطار رؤية وطنية تهدف إلى اختيار قيادات أكاديمية وإدارية تمتلك القدرة على إحداث نقلة نوعية داخل مؤسسات التعليم العالي الأهلية.
ويسعى مجلس الجامعات الأهلية، برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي، إلى أن تكون هذه الجامعات منصات انطلاق للابتكار والتطوير، تدعم أهداف رؤية مصر 2030، وتعزز من تنافسية الخريج المصري في سوق العمل المحلي والدولي، عبر دمج أدوات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة في كل مفاصل العملية التعليمية.
لكن الطموح وحده لا يكفي، فحتى لا يبقى الحديث مجرد وعود، تبرز الحاجة مأسسة إلى التطوير من خلال إنشاء وحدات مركزية على مستوى كل جامعة، تُعنى برصد وتقييم جودة العملية التعليمية وتقديم توصيات علمية قابلة للتنفيذ.

مراكز القياس والتقويم.. نواة التطوير الحقيقي
أحد أبرز المقترحات المطروحة للنهوض بهذه الجامعات يتمثل في إنشاء "مركز القياس والتقويم"، وهو وحدة مؤسسية مسؤولة عن متابعة وتحسين أداء المنظومة التعليمية بشكل مستمر.
يبدأ عمل المركز بإعداد نموذج موحد لتوصيف المقررات الدراسية (Course Syllabus)، تلتزم به جميع الكليات، ويشمل بيانات المقرر، وطرق التدريس والتقييم، ومخرجات التعلم المستهدفة، على أن يتم توزيع هذا النموذج على الطلاب في بداية كل فصل دراسي لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص.
ولا يتوقف الدور عند المناهج، فهناك ضرورة ملحة لتقييم أداء أعضاء هيئة التدريس من خلال استمارتين: الأولى يملؤها الطلاب في نهاية الفصل الدراسي، وتتضمن أسئلة موضوعية عن التزام عضو هيئة التدريس، وتنوع أساليبه، ومدى ربطه النظري بالواقع العملي.
والثانية يقدمها عضو هيئة التدريس نفسه لتوثيق إنجازاته العلمية والبحثية والإدارية والمجتمعية خلال العام.
تُحلل هذه البيانات داخل المركز بشكل إحصائي، وتُرسل النتائج لرؤساء الأقسام والعمداء، بما يساعد على تحسين الأداء وتصحيح المسار.
كما يقترح المركز لأعضاء هيئة التدريس فرصًا تدريبية موجهة بناءً على احتياجاتهم، سواء في أساليب التدريس أو إعداد المحتوى أو التعامل مع التكنولوجيا التعليمية.

نحو تقييم شامل للامتحانات وأساليب القياس
لا تكتمل منظومة التطوير دون النظر في أساليب تقييم الطلاب، وهنا، تبرز الحاجة إلى مراجعة الورقة الامتحانية نفسها، من حيث علاقتها بمخرجات التعلم، ومستوى الصعوبة، ودرجة الشمول والتمييز، وهو محور بالغ الأهمية سيُطرح بالتفصيل في مقالات لاحقة.
ما تطرحه هذه الرؤية لا يُعد رفاهية أكاديمية، بل ضرورة استراتيجية لتحويل الجامعات الأهلية إلى بيئة تعليمية ذكية، تستثمر في العقول وتستجيب لمتطلبات العصر.
وإذا ما كُتبت لهذه السياسات الإرادة والتنفيذ الصارم، فإن الجامعات الأهلية ستتحول بالفعل إلى "قاطرة" تُعيد رسم مستقبل التعليم العالي في مصر.
أ.د. هشام حنضل عبد الباقي الجعبيري
أستاذ الاقتصاد المتفرغ – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]