الجمعة 01 أغسطس 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

في كل عام، تحتفل الأمة الإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف، تلك المناسبة التي تتجدد فيها معاني الحب النبوي، وتشتعل فيها المشاعر الإيمانية، وتزدهر المجالس بالمدائح والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. 

ومع كل احتفال، يدور السؤال: هل يجوز شرعًا الاحتفال بالمولد النبوي؟ وهل ما نفعله اليوم من مظاهر الفرح والابتهاج يدخل في دائرة البدعة أم أنه تعبير صادق عن الحب النبوي؟ للإجابة عن هذه التساؤلات لا بد أن ننطلق من مرجعية شرعية وعقلية رشيدة، تستند إلى أصول الدين ومقاصده.

المولد النبوي في ميزان الشريعة

يتفق جمهور علماء الأمة، من السادة المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية، على أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إذا خلا من المحرمات والمنكرات، فهو جائز ومستحب. وقد استندوا في ذلك إلى قواعد شرعية راسخة، أهمها: «ما لا يُخالف الشرع فهو من المباحات»، وأن كل عمل يُقرب إلى الله ويُذكّر بنعمه داخل في عموم قوله تعالى:
“وذكّرهم بأيام الله” [إبراهيم: 5].
ويوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم هو من أعظم أيام الله على البشرية جمعاء، لأنه يوم خرج فيه النور من الظلمات، ويوم بُعث فيه الرحمة للعالمين، كما قال الله تعالى:
“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” [الأنبياء: 107].

وقد سُئل الإمام السيوطي عن حكم المولد فأجاب بجوازه، بل واستحبابه لما فيه من اجتماع على الذكر والطعام والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسماع سيرته العطرة. كما أقر ذلك من كبار العلماء ابن حجر العسقلاني والإمام ابن الجوزي وغيرهم.

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي.. بين التعبير والابتداع

تتنوع مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في مصر والعالم الإسلامي، ما بين تلاوة السيرة النبوية، وتوزيع الحلوى، وتزيين المساجد، وإقامة حلقات الذكر والإنشاد، وكلها مظاهر تعبيرية عن الفرح بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى:
“قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون” [يونس: 58]، وقد فسّر العلماء “رحمته” هنا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

غير أن الشرع الإسلامي لا يقبل أن تكون مظاهر الاحتفال بابًا لمحرمات شرعية، كاختلاط النساء والرجال دون ضوابط، أو الغلو في المديح بما لا يجوز، أو اتخاذه مناسبة دنيوية خالية من الروحانية. فالأصل أن يكون المولد النبوي محطة للتزكية والارتقاء، لا مناسبة عابرة للزينة واللهو.

المولد النبوي تربية روحية وتجديد للعهد

في جوهره، لا يُعد المولد النبوي مجرد مناسبة تاريخية نمر بها مرور الكرام، بل هو تجديد للعهد مع الله، واستحضار للقيم النبوية العليا في الصدق، والأمانة، والعدل، والرحمة، والتسامح، والزهد في الدنيا. إن التأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يُغذي الروح ويهذّب النفس، ويجعلنا أكثر وعيًا بمهمتنا في الحياة.

وكم نحن بحاجة في هذا الزمان المضطرب إلى إعادة قراءة السيرة النبوية من منظور واقعي ومعاصر، يُخرجها من كتب التراث إلى واقعنا اليوم، في الإعلام، في التربية، في الاقتصاد، في السلوك العام، وفي خطابنا المجتمعي والديني.
إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، في صورته الشرعية المنضبطة، هو تعبير عن المحبة الصادقة لخير خلق الله، وتجديد لميثاق اتباعه، وفرصة سنوية لترميم العلاقة بين الإنسان وربه. فليس المقصود من الاحتفال مجرد المظاهر، بل أن نُحيي في قلوبنا حب النبي وسنته، وأن نجعل من ذكراه نقطة انطلاق نحو الصلاح الفردي والمجتمعي.

وفي ظل التحديات التي تعيشها الأمة اليوم، يظل المولد النبوي الشريف منبرًا يجمعنا على كلمة سواء، ويمنحنا طاقة نورانية لتجاوز الأزمات، وإحياء الأمل في غدٍ أفضل، نستنير فيه بهدي المصطفى عليه الصلاة والسلام.

تم نسخ الرابط