الجمعة 25 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

لم تكن ثورة 30 يونيو 2013 محض صدفة أو فعلاً عاطفيًا عابرًا، بل كانت لحظة فارقة صنعتها تراكمات الغضب الشعبي، وثمرة نضج ووعي وطني حاد أدرك الخطر المحدق بالدولة المصرية. 

فقد جاءت تلك الثورة كاستجابة تاريخية لصوت الشارع الذي ضاق ذرعًا بواقع مأزوم، لا يُحتمل فيه الانتظار ولا يُغتفر فيه الإهمال. 

خرج ملايين المصريين في مشهد لم يكن مجرد اعتراض على حكم جماعة دينية فقدت شرعيتها الأخلاقية والسياسية، بل كان صرخةً من عمق وجع طويل، ومواجهة مباشرة مع سياسات الفقر، والانقسام، والانهيار الاقتصادي، وضياع الدولة.

قبل 30 يونيو، كانت البلاد تسير في نفق مظلم. الاقتصاد الوطني بدا وكأنه يحتضر؛ انخفض الاحتياطي النقدي بشكل مقلق ليصل إلى ما دون 14 مليار دولار، بعد أن كان يتجاوز 36 مليارًا في سنوات سابقة، مما جعل البلاد على حافة الإفلاس. 

أزمة الوقود ضربت مفاصل الحياة اليومية: محطات البنزين ممتلئة بالطوابير، التيارات الكهربائية تتقطع باستمرار، والمزارع تعجز عن تشغيل ماكينات الري. لم يكن ذلك عارضًا اقتصاديًا، بل انعكاسًا لانهيار إدارة الدولة وتآكل الثقة الشعبية.

البطالة كانت تفتك بالشباب، حيث تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن معدل البطالة وصل إلى 13.3% في بداية عام 2013، بزيادة ملحوظة عن السنوات السابقة، وكان بين صفوف الشباب من حاملي المؤهلات العليا والنقابية أكثر من أي وقت مضى. 

هذه البطالة لم تكن رقمًا إحصائيًا، بل كانت حالة إحباط عام، وشعور بانسداد الأفق، وغياب الأمل في المستقبل، خاصة مع سياسات الإقصاء والاستئثار التي انتهجتها جماعة الإخوان.

في الريف كما في الحضر، كان الفقر سيد الموقف، ارتفعت نسب من هم تحت خط الفقر إلى نحو 26.3% من السكان، بحسب تقرير الدخل والإنفاق الصادر في 2012/2013، وشهدت الأسواق أزمات متلاحقة في السلع الأساسية: نقص في الخبز، أزمة في أسطوانات الغاز، واختفاء السكر والزيت من المجمعات الاستهلاكية. 

لم يكن الأمر سوء إدارة فقط، بل بدا وكأن هناك تعمّدًا في تفكيك بنية الدولة، وتفريغها من مؤسساتها وقدرتها على أداء دورها.

سياسيًا، بدا المشهد أكثر قتامة، الدستور الذي تم تمريره في ديسمبر 2012 عكس نزعة استبدادية دينية واضحة، أعادت تشكيل الهوية الوطنية بمفردات إقصائية لم تعرفها مصر في تاريخها الحديث، تحوّل قصر الاتحادية إلى رمز للانقسام والاحتجاج، وامتلأت الميادين بالغضب من قرارات فوقية، وإعلانات دستورية تعيدنا إلى عصور الفرد الواحد والحزب الواحد.

في هذا السياق المأزوم، كانت ثورة 30 يونيو ضرورة وجودية، لا رفاهية احتجاج، كانت انحيازًا حاسمًا لفكرة الدولة المدنية، ولحقوق الناس في العيش والحرية والكرامة، خرج الملايين لا ليعبروا عن رفضهم فقط، بل ليدافعوا عن هوية مصر، وعن مؤسساتها، وعن جيشها الوطني الذي ظل صامتًا حينًا، لكنه تحرك حين ناداه الشعب.

30 يونيو لم تكن مجرد مظاهرة حاشدة، بل كانت حركة تصحيح لمسار ثورة يناير التي اختطفتها قوى لا تؤمن بالدولة، كانت استعادة للروح الوطنية التي تجمع المصريين على اختلاف انتماءاتهم، وما أعقبها من مشهد 3 يوليو لم يكن انقلابًا، كما يروّج البعض، بل كان تدخلًا دستوريًا جاء بطلب شعبي لا لبس فيه، لإنقاذ البلاد من الانهيار والتفتت.

لقد كشفت ثورة 30 يونيو حجم الفراغ الذي كانت تملؤه الدولة المصرية؛ حين يغيب القانون، يعلو صوت العنف، وحين ينهار الاقتصاد، تتعطل الحياة وحين تُختطف الدولة، يخرج الشعب لاستعادتها، لم تكن الثورة لحظة رومانسية، بل كانت ملحمة وعي، وإرادة، ورفض للخضوع.

اليوم، بعد أكثر من عقد على تلك اللحظة المفصلية، ما زال الجدل قائمًا حول جدواها، لكن الثابت أن مصر كانت في مفترق طرق، وكان على أحدهم أن ينهض. نهض الشعب، وأسقط قناع الجماعة، وأعاد رسم ملامح المستقبل.

ثورة 30 يونيو ستبقى، رغم كل الجدل، شاهدًا حيًا على أن الشعوب لا تُخدع طويلًا، وأن الدولة حين تسقط في يد الجماعات، فإن استردادها يصبح واجبًا وطنيًا لا يحتمل التأجيل.

خالد فؤاد

رئيس حزب الشعب الديمقراطي

تم نسخ الرابط