في كل موسم انتخابي يتجدد السؤال الأهم: من يستحق تمثيل المصريين في مجلس الشيوخ؟ ومن يليق أن يكون صوت الشعب والدولة والعقل الاستشاري داخل الغرفة الثانية للبرلمان؟
هذا السؤال لا يجب أن يُجاب عليه بالشعارات، بل بالمعايير العلمية والوطنية التي تصون حق الدولة في تمثيل مشرف وكفء وفعّال.
إن من أعظم الكبائر التي يرتبها كبار الساسة والمسؤولين هو اختيار أعضاء المجالس النيابية بغرفتيه بناء على صفات الولاء والبراء وليس العلم والكفاءة.
كما أن ذرعية تمكين الشباب في العمل السياسي لا تعني الدفع بهم عشوائيًا إلى معارك انتخابية، بل يبدأ من تدريبهم وتأهيلهم علميًا وعمليًا داخل الأحزاب، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني.
الشباب بحاجة إلى تربية سياسية حقيقية تُكسبهم الوعي بمبادئ الدولة، والدستور، وآليات التشريع، والفصل بين السلطات، وهذا التأهيل هو الضمانة الحقيقية لإعداد قيادات سياسية واعية تمتلك أدوات المشاركة الفعالة في العمل البرلماني.
إن إدماج الشباب في الحياة النيابية يجب أن يرتبط بمسار تدريجي من العمل السياسي والتطوعي والمجتمعي، بما يؤهلهم للتعامل مع القضايا العامة، واتخاذ القرار السياسي بشكل مسؤول ومدروس، ولابد وأن نعلم أن غياب هذا المسار يُفقد المجلس روحه ويُحوّل التجربة إلى استعراض انتخابي لا أكثر.

تمكين المرأة بوعي: مشاركة لا تُختزل في الكوتة
المرأة المصرية تستحق موقعًا متقدمًا في المشهد البرلماني، ليس فقط لأنها نصف المجتمع، بل لأنها أثبتت عبر تاريخها قدرة كبيرة على القيادة، والتشريع، وإدارة الملفات الوطنية.
كما أن تمكين المرأة في مجلس الشيوخ المصري يجب أن يقوم على الكفاءة لا المجاملة، وعلى الرؤية لا الرمزية، حيث أن وجودها داخل المجلس يُعزز التنوع ويُثري النقاشات حول قضايا التعليم، والصحة، والأسرة، والحقوق الاجتماعية.
وبما أننا في مرحلة التحول الرقمي والإصلاح التشريعي، تُصبح مشاركة الخبرات العلمية في مجلس الشيوخ أمرًا ضروريًا، فالعقول المتخصصة في مجالات الاقتصاد، القانون، الإعلام، السياسة العامة، والحوكمة الرقمية، يجب أن تكون حاضرة في صياغة مستقبل الدولة.
إن الكوادر الأكاديمية من حملة الماجستير والدكتوراه يمتلكون القدرة على تحليل السياسات، وصياغة التشريعات، والمشاركة في تطوير منظومة التشريع الوطني بشكل علمي ومنهجي.

النزاهة والتمثيل الحقيقي للمواطنين
المرشح الذي يسعى للجلوس تحت قبة البرلمان لا بد أن يتمتع بسيرة نظيفة، وسلوك عام يعكس القيم الوطنية، والالتزام الأخلاقي.
كما يجب أن يمتلك قدرة حقيقية على التواصل مع الناس، والاستماع لهم، ونقل مشكلاتهم إلى المؤسسات التشريعية، فـالتمثيل البرلماني ليس امتيازًا شخصيًا، بل أمانة وطنية.
كل مرشح لمجلس الشيوخ يجب أن يطرح برنامجًا انتخابيًا واضحًا، يتناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية بشكل منهجي، ويتضمن حلولًا واقعية قابلة للتطبيق، لأن المواطن اليوم لم يعد يقتنع بالوعود العامة، بل يبحث عن رؤى قابلة للقياس، ترتبط بأهداف الدولة وتخدم مصلحة الناس.
إن مجلس الشيوخ ليس مجرد واجهة سياسية، بل أحد ركائز النظام الدستوري المصري، واختيار أعضائه لا يجب أن يتم وفق الولاءات أو المظاهر، بل وفق معايير الكفاءة، والنزاهة، والخبرة، والتأهيل السياسي.
ومن يترشح لمجلس الشيوخ عليه أن يحمل مشروعًا حقيقيًا، وضميرًا حيًا، وإيمانًا عميقًا بأن العمل البرلماني مسؤولية لا تقبل التساهل.
سامي حسني