الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

تُعد حقوق الإنسان الرقمية امتدادًا طبيعيًا لحقوق الإنسان الأساسية، وتعبيرًا مباشرًا عن احتياجات الأفراد في ظل الانفتاح الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم، خاصة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

ومع توسّع نطاق الفضاء الإلكتروني، أصبحت هذه الحقوق من أبرز المطالب التي فرضها الواقع الجديد، لا سيّما منذ عام 2020، حين دخلت كبريات المنصات العالمية في صدام حاد مع المستخدمين، على خلفية تصاعد انتهاكات الخصوصية، وارتفاع الأصوات المطالبة بسن تشريعات صارمة تحمي بيانات الأفراد من الاستغلال التجاري والإعلاني.

هذا الواقع يفرض على الدول واجبًا عاجلًا بتوفير ضمانات قانونية وفنية تضمن حماية خصوصية المستخدمين، وتمنع التلاعب بمعلوماتهم الشخصية. 

حقوق الإنسان في العصر الرقمي

ومن هنا، جاءت إرادة المشرّع الدستوري المصري واضحة وصريحة في تأكيد أهمية صون وسائل الاتصال عامة، ووسائل الاتصال الإلكترونية خاصة، لضمان صيانة وحماية حقوق الإنسان الرقمية ، إذ نصّت المادة (57) من الدستور المصري على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وعدم جواز الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر قضائي مسبب، وهو ما يشكّل قاعدة دستورية صلبة لحماية الخصوصية الرقمية.

وتستند هذه الحماية إلى مجموعة من التشريعات الوطنية الحديثة، في مقدمتها قانون حماية البيانات الشخصية، الذي يُلزم الشركات ومزودي خدمات الإنترنت بعدم تخزين أو تداول بيانات المستخدمين دون موافقتهم الصريحة. 

يعزز هذا القانون مبدأ الخصوصية الرقمية، ويضع ضوابط قانونية تُحد من إساءة استخدام البيانات. كما يُعد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، المعروف إعلاميًا بـ"قانون جرائم الإنترنت"، أداة تشريعية مركزية في هذا الإطار، حيث يهدف إلى التصدي لجرائم إلكترونية متعددة، تشمل سرقة البريد الإلكتروني، والقرصنة، والانتحال، ويوفر حماية قانونية للأفراد من الانتهاكات الرقمية المتزايدة.

ورغم التقدم الملحوظ على مستوى التشريع، إلا أن التطبيق العملي الكامل لا يزال يواجه تحديات جوهرية، أبرزها هيمنة منصات التواصل الاجتماعي على المجال الرقمي، وغياب الشفافية في سياسات استخدام البيانات. 

كما يشكّل ضعف الوعي المجتمعي العام بحقوق الإنسان الرقمية عائقًا حقيقيًا أمام تمكين الأفراد من الدفاع عن خصوصيتهم، وفهم حقوقهم داخل البيئة الرقمية المعقّدة.

ولتحقيق حماية فعالة وشاملة، بات من الضروري تبنّي مجموعة من الآليات المتكاملة، تشمل نشر الثقافة الرقمية، ورفع مستوى الوعي التكنولوجي لدى مختلف فئات المجتمع، مع ضرورة تضمين مفاهيم الحقوق الرقمية ضمن المناهج التعليمية، بما يضمن إعداد أجيال قادرة على حماية نفسها في الفضاء الإلكتروني.

كذلك، تُعد المبادرات الإعلامية والندوات التوعوية وسيلة فعالة لتعزيز الإدراك العام، إلى جانب أهمية بناء جسور تعاون بين مؤسسات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام، لخلق رأي عام واعٍ بخطورة التهديدات الرقمية المتزايدة.

وفي هذا السياق، من المهم التأكيد على أن احترام حقوق الإنسان يجب أن يمتد إلى العالم الرقمي كما هو في الواقع المادي، باعتبار أن هذه الحقوق لا تتجزأ، وتشكل أساسًا للحريات العامة التي ينبغي أن يتمتع بها كل فرد، سواء في حياته اليومية أو في تفاعله عبر الإنترنت.

ودعمًا لهذه الجهود، قامت وزارة الداخلية المصرية بإنشاء قطاع متخصص في تكنولوجيا المعلومات، يتولى متابعة الجرائم الإلكترونية واتخاذ الإجراءات القانونية بحق مرتكبيها. ويُعد هذا التوجّه خطوة إيجابية نحو تعزيز الأمن الرقمي وتحقيق الاستقرار المجتمعي في ظل عالم رقمي متغير وتحديات تكنولوجية متسارعة، تستدعي تكاتفًا بين الدولة والمجتمع لحماية الإنسان في بعده الرقمي والإنساني.

لواء دكتور: أيمن حلمي

تم نسخ الرابط