الجمعة 04 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

في زمان تتسارع فيه التصريحات وتتداخل فيه القناعات، طالعنا في الآونة الأخيرة عددٌ من المطربين والفنانين وهم يعلنون – أو يوصون – بحذف أعمالهم الغنائية بعد وفاتهم. 

للوهلة الأولى قد يبدو الأمر تعبيرًا عن إحساس داخلي، أو ندمٍ خافت يطفو على السطح، لكن حين نتأمل هذا السلوك في ضوء العقل والدين، ندرك أنه ليس مجرد "وصية عابرة"، بل صرخة ضمير مأزوم، واعتراف غير مباشر بالتناقض.

فما معنى أن يوصي الإنسان بحذف ما كان يفاخر به في حياته؟ وما جدوى التبرؤ من كلمات وألحان ظل يرددها أمام الملايين، وارتبط بها اسمه وصورته وصوته؟

إن هذه الوصايا ليست حديث الموتى، بل صدى حيرة الأحياء الذين يحاولون أن يتداركوا ما لا يُدرك.

فإن كانت الأغاني التي قدمها هؤلاء حلالًا في ميزانهم، فلماذا يطلبون إزالتها بعد الرحيل؟

أبعد الموت تتجلى الحقيقة؟ أم أن ساعة الاحتضار توقظ في القلب ما غفل عنه طيلة العمر؟

أم هو إحساس داخلي بأن هذه الأعمال كانت سببًا في زلل أو فتنة أو انحراف؟

وهل يجوز للإنسان أن يخادع نفسه حتى النهاية، ثم يظن أن وصيةً بعد الموت تُغني عن التوبة في الحياة؟

قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} \[النساء: 17]

فباب التوبة مفتوح، نعم، لكنه لمن يرجع في وقته، لا لمن يكتب وصية وهو في لحظات العجز والانقطاع، وقد أُغلقت أمامه أبواب التغيير.

وإن كانت تلك الأغاني محرّمة أو مشبوهة كما يوحي ضميرهم الآن، فلماذا أقبلوا عليها؟

وكيف ارتضوا أن تكون مصدر رزقهم ومعاشهم؟

وهل المال الذي جُني من ورائها سيُعتبر طيبًا؟ أم سيبقى عالقًا بين شبهة وظن، لا يُدرى له مآل؟

وهل يكفي أن يُنفَق منه على الأبناء أو أن يُتصدّق بجزء يسير منه، لنعتبره قد طُهّر؟

أم أن التوبة الحقّة تقتضي ردّ الحقوق، والإقلاع عن الذنب، والاعتراف به، لا تركه في وقت لا يُحتسب فيه العمل ولا يُقبل فيه التدارك؟

أيها الفنانون.. إن الصدق مع الله لا يكون بتصريحات إعلامية مؤثرة، ولا بوصايا مسجّلة على صفحات التواصل، بل هو موقف واضح يبدأ من اليوم، لا من ساعة الرحيل.

فمن كان يرى عمله حلالًا، فليثبت عليه، وليتحمّل مسؤوليته كاملة أمام الله.

ومن كان يراه محرّمًا أو مؤذيًا، فليبادر إلى التوبة النصوح، ويمحو ما استطاع إليه سبيلا، لا أن يعلّق تطهيره على ساعة لا يملك فيها القلم ولا القرار.

إن ما بعد الموت ليس ساحة تجميلٍ للملف الشخصي أمام الله، بل ساحة حساب وجزاء، حيث يقول ربنا جل جلاله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} \[الصافات: 24]

فهل ستنفعنا الأقنعة يوم يسقط كل ستار؟ وهل تكفي الكلمات المرتعشة في لحظة الموت لتبرئة سجلٍ من الأغاني التي زرعت في القلوب ما زرعت، وحرّكت في النفوس ما حرّكت؟

أم أن الأجدر هو التوبة الواضحة، والخطوة الصادقة، والإصلاح قبل أن يُقال: لقد فات الأوان؟

وختامًا..

الحلال لا يُتبرأ منه، والحرام لا يُستبقى إلى حين الرحيل.

فإما وضوح في الموقف، وإما أن يبقى التناقض شاهدًا على أن ما يُقال في الحياة لا يطابق ما يُوصى به بعد الموت.

فيا من توصون بحذف أغانيكم، لا تؤجلوا التوبة إلى ما بعد النهاية، فقد تكون التوصية براءة داخلية.. لكنها لا تُغني عن حساب الآخرة.

والله المستعان، وعليه التكلان.

د. مظهر شاهين

إمام وخطيب مسجد عمر مكرم 

تم نسخ الرابط