في زمن تتحوّل فيه الرياضة من مجرد منافسة إلى صناعة متكاملة، باتت اقتصاديات الرياضة أحد الروافد الحقيقية للتنمية الوطنية، ومكوّناً أصيلاً من مكونات الأمن القومي.
ولم تعد الرياضة ترفاً أو نشاطاً ترفيهياً، بل أصبحت قوة ناعمة تؤثر في العقول، وتعيد تشكيل المجتمعات، وتحمي الأوطان من الداخل.
وفي مصر، ورغم الشعبية الطاغية لكرة القدم وشغف الملايين بالرياضة، فإن صناعة الرياضة ما زالت تعاني من ضعف البنية الاقتصادية، وغياب التخطيط الاستراتيجي للاستثمار الأمثل في هذا القطاع الواعد.

600 مليار دولار.. حجم اقتصاد الرياضة سنويًا
تشير التقديرات إلى أن حجم صناعة الرياضة عالميًا يتجاوز 600 مليار دولار سنويًا، وتساهم الرياضة في الناتج المحلي للدول المتقدمة بنسبة تتراوح بين 1% و3%.
في المملكة المتحدة مثلاً، تسهم الرياضة بنحو 18 مليار جنيه إسترليني سنويًا في الناتج المحلي، وتوفّر أكثر من 550 ألف وظيفة مباشرة.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فتولّد الرياضة سنويًا ما يقرب من 500 مليار دولار من الناتج المحلي، وتوظف قرابة 6 ملايين شخص في مختلف الصناعات المرتبطة بالرياضة، من البث التلفزيوني إلى تصنيع الملابس والمعدات وتنظيم البطولات، كما تضخ المملكة العربية السعودية استثمارات رياضية تتجاوز 38 مليار دولار ضمن "رؤية 2030".
مصر.. شعب رياضي واقتصاد رياضي غائب
أما في مصر التي تضم أكثر من 105 ملايين نسمة، أغلبهم من فئة الشباب، يمكن أن تشكّل الرياضة رافعة اقتصادية ضخمة لو أحسنّا التخطيط والاستثمار.
وتشير بيانات وزارة الشباب والرياضة إلى أن عدد الأندية الرياضية المُسجّلة يتجاوز 5000 نادٍ ومركز شباب، لكن الغالبية العظمى منها تعاني من ضعف التمويل وقلة الموارد.
ولا تزال مصر تعتمد بشكل أساسي على كرة القدم كرياضة جماهيرية، في ظل غياب رؤية اقتصادية شاملة لصناعة الرياضة، وغياب دور الدولة في تحويل هذه الصناعة إلى مصدر دخل قومي فعلي.
بينما لا تتجاوز مساهمة الرياضة في الناتج المحلي الإجمالي 0.2% فقط، وهي نسبة ضعيفة مقارنة بفرص النمو المتاحة.

الرياضة خط الدفاع الأول عن الأمن القومي للبلاد
الرياضة ليست فقط وسيلة للتسلية أو الفوز في المباريات، بل أداة فعّالة لتعزيز الاستقرار الاجتماعي، وبناء الروح الوطنية.
في مصر، تواجه الدولة تحديات اقتصادية وأمنية معقدة، يأتي على رأسها بطالة الشباب، والتطرف الفكري، وانتشار الإدمان، وتراجع الانتماء لدى بعض الفئات.
وهنا يمكن للرياضة أن تلعب دوراً استراتيجياً في مواجهة هذه التحديات:
- توفير آلاف فرص العمل في مجالات التدريب، التسويق، الإدارة، البث، والإعلام الرياضي.
- إنشاء أكاديميات رياضية تستوعب طاقات الشباب وتصقل مواهبهم.
- إقامة بطولات محلية ودولية تعزز السياحة الرياضية وتدعم الاقتصاد.
- تقوية الشعور بالانتماء الوطني والانضباط والمسؤولية المجتمعية.
وتشير دراسات دولية إلى أن كل دولار يُنفق على الرياضة، يمكن أن يوفر لاحقًا من 3 إلى 7 دولارات من تكاليف علاج الإدمان والجريمة والانحرافات السلوكية.
إننا في مصر، لدينا الإمكانات البشرية والبنية الثقافية والجغرافية التي تسمح لنا بتحقيق قفزة في هذا القطاع. لكننا بحاجة إلى:
- استراتيجية وطنية لاقتصاد الرياضة مدعومة بقوانين وتشريعات محفزة.
- فتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في الأندية والمنشآت الرياضية.
- تطوير البنية التحتية الرياضية في المحافظات وليس فقط في العاصمة.
- التوسع في الإعلام الرياضي المتخصص الذي يدفع نحو الوعي الاقتصادي بالرياضة.
وإذا أردنا لمصر أن تخطو بثقة نحو المستقبل، فعلينا أن نعيد النظر في علاقتنا بالرياضة فبدلاً من التعامل معها كرفاهية، يجب أن نعتبرها مشروعًا قوميًا يدمج بين الشباب والاقتصاد والوطن.
الرياضة ليست مجرد هدف يُسجل في الشباك، بل وسيلة تُسجّل بها الدول أهدافًا في ميادين الاقتصاد والأمن والسيادة، ومصر التي أنجبت أبطالًا عالميين مثل محمد صلاح وهداية ملاك وكريم عبد الجواد، قادرة على أن تكون قوة رياضية واقتصادية ناعمة إذا ما تحركت نحو الاستثمار الحقيقي في اقتصاديات الرياضة.
الكابتن: فرنس مرجان
مدير منطقة البحر الأحمر لكمال الأجسام