خطيب عيد الأضحى يدعو لمصر ويبعث رسالة لكل صاحب مهنة

أكد الشيخ أسامة فخري خطيب عيد الأضحى المبارك أنه لا شيء في الدنيا يعادل قيمة الوطن، وأن معيار كل إنسان هو موقفه من وطنه، فإن كان من أهل البر والوفاء، بذل كل طاقته وقدرته في خدمة وطنه وأهله.
ينشر موقع الأيام المصرية نص خطبة عيد الأضحى المبارك من مسجد مصر الكبير بالعاصمة الإدارية الجديدة بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم وكبار رجال الدولة.
وجاء نص خطبة عيد الأضحى المبارك التي ألقاها الشيخ أسامة فخري:" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين، نحمده جلّ وعلا على نعمٍ أتمّها، وعلى عافيةٍ أكملها، وعلى فرحةٍ في القلوب أتمّها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا وسندنا وذخرنا محمدًا رسول الله ﷺ، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الحج عبادة عظيمة، تغرس في نفوس العباد آدابًا رفيعة وشيمًا نبيلة ومقاصد رصينة. ومن هذه المقاصد ما ذكره الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في قوله: "ليشهدوا منافع لهم"، هذا النص القرآني العظيم الذي يجمع ببلاغة عجيبة المقاصد العليا والمتعددة لحج بيت الله الحرام، والتي يمكن تلخيصها في ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى: المنافع التي تتعلق بالإنسان.
وتنقسم هذه المنافع إلى ما يعود على الإنسان بذاته، ومنها ما يتحقق من خلال تعامله مع غيره.
فأما ما يعود عليه بذاته، فهو يبدأ من لحظة الإحرام، حيث يخلع الإنسان عن نفسه هويتها القديمة، ليستقبل ميلادًا جديدًا لها، تكون فيه أصفى وأنقى وأتقى وأرقى وأقرب إلى الله عز وجل، إنه يطوي صفحة الغفلة، ليفتح صفحة جديدة من الإقبال على الله، ينسلخ من القيم الدنيوية والوساوس الخادعة، ويعود إلى أصل فطرته الطاهرة، كمن يولد من جديد.
وأما المنافع التي تعود على الإنسان من خلال معاملته مع غيره، فإن الحج يُظهر للإنسان تنوع الألسن، واختلاف اللغات، وتباين الطبائع، وتعدد الأعراق، ومع ذلك يأمره الله عز وجل: "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، فيتعامل مع كل هذا التنوع بروح السعة والاحتمال، وهنا تبرز قيمة السعة كأعظم المنافع: السعة في الصدر، القدرة على التحمل، الصبر على الآخرين، التجافي عن الزلات، والتعامل الراقي مع الاختلاف.
قال الله تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وهكذا نتعلّم أن من أعظم ما يقدّمه الحج للإنسان هو قيمة السعة والإنسانية: في المشاعر، من خلال فقه الشعور بالآخر، وثقافة المواساة، وصناعة المعروف، ورفع الحرج، وفي القيم من خلال التقدير، والحب، والتوقير، والإجلال، والنبل، والذوق الرفيع، وفي السلوك بأن يكون كل ما يصدر عن الإنسان خيرًا وجمالًا، ممتنعًا عن كل شرّ أو فساد.
الرسالة الثانية: المنافع التي تتعلق بالأوطان.
وعلى رأسها قيمة الأمان. فالقرآن الكريم يربط بين الأمان وبيت الله الحرام ربطًا عظيمًا:
"أوَلم نُمكّن لهم حرمًا آمنًا"، "ومن دخله كان آمنًا"، "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا"، "رب اجعل هذا بلدًا آمنًا".
إن الحج يعلّم الإنسان كيف يعيش مع الزحام بدون صدام، كيف يتعامل مع اختلاف اللغات والجنسيات بلا نزاع. الحج تدريب على الأمن المجتمعي، وهنا رسالة بليغة: أن الأمان هو أعظم قيمة في حياة الإنسان، فمن دونه لا يستطيع أن يعيش، ولا أن يأكل أو يشرب، ولا أن يحقق أحلامه أو طموحاته. ولذلك يجب على كل فرد أن يكون مصدر أمان، وباب أمان، وبشير أمان، لينعكس ذلك على أوطاننا فنحقق بها السلام والرخاء.،
ومن هنا نتعلّم أن لا شيء في الدنيا يعادل قيمة الوطن، وأن معيار كل إنسان هو موقفه من وطنه، فإن كان من أهل البر والوفاء، بذل كل طاقته وقدرته في خدمة وطنه وأهله.
وقد أشار الإمام القرافي في كتابه "الذخيرة"، باب الحج، إلى هذا المعنى العظيم، إذ قال:
"من مقاصد الحج تهذيب النفس بمشقة مغادرة الأوطان"، فرأى في فقه الحج مقصدًا عاليًا يربط بين النفس والوطن، وأن في الحج رسالة سامية تدفع نحو صناعة السلام، والأمان، والرخاء.
الرسالة الثالثة: المنافع التي تتعلق بالعمران.
قال تعالى: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم"، وهي الآية التي تتحدث عن التجارة في الحج، وتبيّن أنه لا حرج على من طلب الرزق أثناء أدائه للمناسك، بل إن العبادة لا تمنع من السعي، بل تحفز على التنمية الاقتصادية.
ومن يتأمل في طرق الحج القديمة، يرى أنها كانت عامرة بالأسواق والحركة، تُفتح البيوت وتُجرى الأرزاق وتُبنى المجتمعات.
ومن هنا رسالة واضحة لكل صاحب مهنة أو حرفة أو صنعة: أن يشارك في تنمية اقتصادية متينة، وأن يقدم خبراته وإمكاناته لخدمة وطنه، وأن يكون أداؤه متقنًا مميزًا، فالإسلام يدعو إلى الإتقان والإبداع في العمل حتى تزدهر الصناعات وتُبنى الأوطان.
هكذا نتعلم من هذه الرسائل الثلاث:
منافع الإنسان، وعلى رأسها قيمة السعة.
منافع الأوطان، وعلى رأسها قيمة الأمان.
منافع العمران، وعلى رأسها بناء تنمية اقتصادية رصينة.
نسأل الله سبحانه وتعالى، يا رب كل شيء، بقدرتك على كل شيء، أن تغفر لنا كل شيء، ولا تسألنا عن شيء.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرفها إلا أنت. اللهم خلّقنا بأخلاق أنبيائك ورسلك، وجمّلنا بشمائلهم، وارزقنا أخلاقهم وقيمهم.
اللهم احفظ مصر بحفظك العظيم، واحفظ رئيسها، ووفقه وسدده وانصره، وابسط في مصر بساط الأمن والسلام والرخاء والعافية والسرور والسعادة. اللهم آمين، يا رب العالمين.
وفي الختام، نتقدّم بأخلص التهاني بحلول عيد الأضحى المبارك لفخامة السيد الرئيس – حفظه الله – ولشعب مصر العظيم، وللأمتين العربية والإسلامية، وللبشرية جمعاء.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكل عام وحضراتكم جميعًا بخير.