الأربعاء 21 مايو 2025
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

من هم "الأفريكانرز" ولماذا يريد ترامب توطينهم في أمريكا؟

من هم الأفريكانرز
من هم "الأفريكانرز" ولماذا يريد ترامب توطينهم في أمريكا

قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منح مجموعة من المهاجرين البيض من جنوب أفريقيا، يعرفون بـ"الأفريكانرز"، حق اللجوء والجنسية الأمريكية، وهو قرار يتناقض بشكل واضح مع سياساته المتشددة تجاه اللاجئين من الدول التي تعاني من الحروب والمجاعات.

فمن هم هؤلاء؟ ولماذا اهتم بهم ترامب؟ وهل فعلًا يتعرضون للاضطهاد في بلادهم؟ ، يستعرض لكم موقع الأيام المصرية جذور القضية من بداياتها التاريخية إلى تفاصيلها السياسية والإنسانية الراهنة.

من هم الأفريكانرز؟

الأفريكانرز هم سكان جنوب أفريقيا من أصول أوروبية، معظمهم من الهولنديين، والألمان، والفرنسيين البروتستانت، الذين استقروا في جنوب القارة الأفريقية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، ويتحدثون لغة تدعى "الأفريكانية"، وهي لغة مشتقة من الهولندية ممزوجة ببعض مفردات اللغات المحلية، ويعرفون أيضًا باسم "البوير"، وهي كلمة هولندية تعني "مزارع".

وخلال القرن التاسع عشر، خاض البوير حروبًا ضارية مع البريطانيين دفاعًا عن جمهوريتهم المستقلة، لكنهم خضعوا في النهاية للسيطرة البريطانية بعد حرب البوير الثانية عام 1902 ومع الوقت، فرضوا نظام الفصل العنصري الذي منحهم هيمنة سياسية واقتصادية في البلاد، حتى انهياره في تسعينيات القرن العشرين.

من هم "الأفريكانرز" ولماذا يريد ترامب توطينهم في أمريكا

جذور الأزمة: ما الذي يحدث في جنوب أفريقيا اليوم؟

منذ سقوط نظام الفصل العنصري عام 1994، بدأت جنوب أفريقيا في إعادة توزيع الموارد لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية بعد عقود من التمييز العرقي، وضمن هذه الجهود، تعهدت الحكومة بإعادة توزيع الأراضي الزراعية على الأغلبية السوداء، بعد أن كان أغلبها مملوكاً للبيض.

وفي يناير 2025، وقع الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا قانونًا مثيرًا للجدل يسمح بمصادرة الأراضي الخاصة دون تعويض في ظروف معينة، إذا اعتبر ذلك يخدم "المصلحة العامة"، وهذا القرار أثار قلق الأقلية البيضاء في البلاد، وعلى رأسها "الأفريكانرز"، الذين شعروا بأنهم مستهدفون سياسيًا واقتصاديًا.

"اضطهاد البيض؟" نظرة ترامب لقضية الأفريكانرز

وفي عام 2018، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدارته لإعداد خطة لإعادة توطين الأفريكانرز في الولايات المتحدة، مدعيًا أنهم ضحايا "إبادة جماعية" في جنوب أفريقيا، ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، قال ترامب: "المزارعون البيض يقتلون بوحشية، وتصادر أراضيهم، ويجب أن نوفر لهم الحماية".

وأشار ترامب إلى أن ما يجري في جنوب أفريقيا يعد تمييزًا ضد البيض، متجاهلًا الحقائق التي تشير إلى أن غالبية ضحايا العنف في البلاد هم من السود، بحسب بيانات الشرطة الجنوب أفريقية ومع ذلك، استمر ترامب في تصوير القضية كأزمة حقوق إنسان تستهدف أقلية "مضطهدة".

من هم "الأفريكانرز" ولماذا يريد ترامب توطينهم في أمريكا

أول مجموعة من الأفريكانرز تصل أمريكا

وصلت بالفعل أول دفعة من الأفريكانرز إلى الولايات المتحدة، مكونة من 59 فردًا، بعد فترة انتظار لم تتجاوز ثلاثة أشهر فقط، وهي فترة قصيرة جدًا مقارنة بالإجراءات المعتادة للاجئين، وقد استقبلهم مسؤولون أمريكيون في المطار ببالونات واحتفالات، في مشهد فخم، كما وصفه أحد الوافدين.

ومن بين هؤلاء، كان تشارل كلاينهاوس، مزارع يبلغ من العمر 46 عامًا من مقاطعة مبومالانغا بجنوب أفريقيا، قال في مقابلة مع BBC: "تلقيت تهديدات بالقتل، واضطررت لترك كل شيء، حتى والدتي وكلابي... لم أأت إلى هنا للترفيه، بل لحماية أطفالي".

ورغم اعترافه بانخفاض معدل الجرائم في جنوب أفريقيا، إلا أنه أصر على أن الوضع لم يعد آمناً بالنسبة له ولأسرته.

الدعم الأمريكي للأفريكانرز

وفقًا لمذكرة من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، تخطط الإدارة لتقديم كافة أشكال الدعم للاجئين الأفريكانرز، بما يشمل:

  • السكن المؤقت والطويل الأجل
  • الأثاث والأدوات المنزلية الأساسية
  • المواد الغذائية والملابس والحفاضات
  • منتجات النظافة والهواتف المدفوعة مسبقاً

ويجري تنفيذ هذه الخطط بالتعاون مع مكتب اللاجئين الأمريكي ومنظمات دولية غير حكومية.

جنوب أفريقيا ترد على اتهامات "التمييز ضد البيض"

ردت حكومة جنوب أفريقيا بغضب على اتهامات إدارة ترامب، مؤكدة أن اتهامات "الإبادة الجماعية" و"التمييز العنصري ضد البيض" لا تستند إلى أي دليل.

وقالت وزارة الخارجية الجنوب أفريقية في بيان رسمي: "الولايات المتحدة تحاول تقويض الديمقراطية الدستورية في بلادنا، في وقتٍ نكافح فيه لتصحيح إرث الفصل العنصري وتحقيق العدالة الاجتماعية".

وأشارت الحكومة إلى أن إعادة توزيع الأراضي هدفها إنصاف السكان الأصليين الذين حُرموا من حقوقهم لمئات السنين، وليس الانتقام من الأقلية البيضاء.

من هم "الأفريكانرز" ولماذا يريد ترامب توطينهم في أمريكا

أصوات من داخل المجتمع الأفريكانري

رغم مغادرة بعض الأفريكانرز لجنوب أفريقيا، فإن هناك من اختار البقاء والمساهمة في بناء مستقبل مشترك، ومن هؤلاء، أولريش جانس فان فورين، ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي قال: "جنوب أفريقيا هي موطني، ولا أنوي قبول عرض ترامب، وأنا فخور بأن أكون جزء من رحلتها نحو النجاح"، وأضاف: "الجدل حول وضع الأفريكانرز جعلني أكثر إصراراً على العمل من أجل الوحدة الوطنية"

الهجرة المستمرة وانخفاض عدد السكان البيض

تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد السكان البيض في جنوب أفريقيا انخفض من نحو 4.5 مليون في بداية القرن إلى حوالي 4.2 مليون اليوم، مع توقعات بمزيد من الانخفاض خلال السنوات المقبلة، وقد هاجر العديد من الأفريكانرز بالفعل إلى دول مثل بريطانيا، كندا، وأستراليا، بحثًا عن ظروف معيشية أكثر أمانًا واستقرارًا.

السياق التاريخي: كيف نشأ نظام الفصل العنصري؟

بعد اتحاد جنوب أفريقيا في عام 1910، أصبح الأفريكانرز القوة السياسية المهيمنة، وفي عام 1948، تولى "الحزب الوطني"، الذي أسسه الأفريكانرز، الحكم، وأقر قوانين قاسية للفصل العنصري:

  • منع السود من امتلاك الأراضي
  • منع الزواج المختلط
  • منع التصويت أو التمثيل السياسي للسود
  • تخصيص 87% من الأراضي للبيض فقط

وقد واجهت هذه السياسات مقاومة شرسة من حركات التحرر، أبرزها "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي"، بقيادة نيلسون مانديلا، الذي سجن لسنوات قبل أن يُطلق سراحه ويقود البلاد نحو الديمقراطية عام 1994.

تم نسخ الرابط