مليار جنيه .. براءة موظف في قضية تهريب جمركي كبرى

في صباح شهر مارس 2024، عاد "السيد. ع" إلى مصر قادمًا من السعودية لقضاء إجازة قصيرة بعد سنوات من العمل موظف مبيعات في شركة شحن إلا أنه لم يعلم بأن هذه العودة ستقلب حياته رأسًا على عقب.
بمجرد وصوله، فوجئ بقوات الأمن تلقي القبض عليه كونه مطلوبًا للعدالة، الرجل المسن مُدان بحكم غيابي بالسجن 10 سنوات صادر ضده في قضية تحمل رقم 1002 لسنة 2018 جنايات نويبع، والتهمة الاشتراك في تزوير جوازات سفر وتوكيلات رسمية ضمن شبكة تهريب جمركي قدرت خسائرها للدولة بحوالي مليار جنيه.
كشفت التحقيقات كشفت أن شركة الشحن التي يعمل بها عبد الجليل – وهي شركة سعودية يعمل بها عدد من المصريين – كانت مسرحًا لنظرية احتيالية سُميت بـ"نظرية السماسرة".
الخطة تعتمد على استغلال جوازات سفر وتوكيلات مزورة لشحن بضائع من السعودية إلى مصر، رغم أن القانون السعودي يمنع الشحن بعد شهر من مغادرة الشخص ويشترط توكيلًا رسميًا لمستخلص جمركي.
لكن عندما بدأت بلاغات من مواطنين يتلقون إشعارات جمركية رغم أنهم لم يغادروا البلاد قط، انكشفت الكارثة وأمكن ضبط 10 جوازات وتوكيلات مزورة لتبدأ خيوط أكبر قضية تزوير جمركي تتكشف في ميناء نويبع.
بدات مباحث الجمارك التحقيقات وشكلت لجنة خماسية للفحص ثم تدخلت النيابة العامة وشكلت لجنة سباعية لفحص اللجنة الأولى، لتظهر المفاجأة الأكبر.
أعضاء من اللجنة الأولى متورطون بالتستر والتدليس، وبعضهم على علاقة بسماسرة ومستخلصين جمركيين في شبكة تهريب جمركي بلغ إجمالي أعمالها نحو مليار جنيه.
وأمام كل هذه المخالفات، أحالت النيابة العامة 22 متهمًا للمحاكمة من بينهم المتهم الخامس "عبد الجليل" الموظف البسيط الذي كان خارج البلاد طوال مدة الجريمة.
وأسندت النيابة لهم 3 اتهامات هي: تزوير أوراق رسمية، تهرب جمركي واستيلاء على المال العام وتزوير مقررات جمركية.
استمرت القضية م لأكثر من 7 سنوات داخل أروقة محكمة طور سيناء، تغيرت خلالها دائرة المحكمة مرتين، وحُجز الحكم أربع مرات لـ"دقة الفحص"، ما أثار تساؤلات حول الغموض الذي يلف القضية.
لكن مع دخول المحامي ميشيل حليم، بدأت الأمور تتغير. حصل "عبد الجليل" على إخلاء سبيل، وبدأ الدفاع يفند الاتهامات بندًا بندًا ليقلب موازين القضية 180 درجة.
انهيار رواية الاتهام
وحملت مذكرة دفاع المتهم الخامس العديد من المفاجآت تغيرت معها نهاية القصة، أولها أن التحريات أجريت على شخص خارج مصر بلا اختصاص كما أن الضابط مجري التحريات تولى الملف بعد 5 سنوات من بدء التحقيقات دون جدوى.
المفارقة الأغرب، أن التحريات خالفت الأوراق الرسمية، فالضابط لم يكن يملك أي معلومة صحيحة عن المتهم (الاسم والرقم القومي) إضافة إلى بناء اتهامه على أنه مدير لشركة الشحن السعودية في حين أن "حليم" حصل على إفادة رسمية تثبت العكس.
وأثبت محامي ميشيل حليم أن موكله مجرد موظف مبيعات وليس مديرًا أو مالكًا للشركة، كما أن القانون السعودي لا يسمح للمصريين بإمتلاك الشركات، ما ينفي الادعاء بأنه صاحب الشركة.
كما أن أحد المستخلصين الجمركيين اعترف زيفًا بعلم المتهم بتزوير جوازات السفر والتوكيلات بينما تضاربت أقواله أمام النيابة العامة وهيئة المحكمة.
وأوضح ميشيل حليم محامي المتهم ان جريمة تزوير الأوراق الرسمية المشرع استلزم لها العلم اليقين وليس مجرد الشك ولا العلم المفترض ان المستند ذاته مزور
كما أضاف أن التحريات خالفت ماهو ثابت بالأوراق الرسمية من صفه المتهم وأنه ليس له مصلحه كونه عامل بالشركة والنيابة أغفلت إحالة صاحب الشركة السعودي الجنسية
وأضاف حليم أن هناك فرق بين التزوير المتقن والتزوير المفضوح ولم يكن بإستطاعت موكله علمه بوجود تزوير
ومع بعض الإستنتاجات الحاسمة انتفى معها الركن الأساسي للاتهام سواء التزوير أو الاستيلاء على المال العام والأحرى إحالة الدعوى ضد صاحب شركة الشحن لا موظف المبيعات البسيط الذي بلغ من العمر عتيا دون نقطة سوداء في ملفه الوظيفي طاول رحلته المهنية.
في النهاية، أسدلت المحكمة الستار على واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في تاريخ الجمارك، وقضت بـبراءة المتهم الخامس "عبد الجليل" وأستندت المحكمة إلى انتفاء العلم، والمصلحة والركن المادي والمعنوي للجريمة.