الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

سر ساعة الحرم النبوي، هل شاهدتها أثناء زيارتك عند باب السلام؟

سر ساعة الحرم النبوي
سر ساعة الحرم النبوي

توجد داخل الحرم النبوي الشريف، ساعة موجودة بالضبط قرب "باب السلام"، أثارت انتباه عدد كبير من زوار الحرم، لكون توقيتها يختلف عن باقي ساعات المملكة، ولكن ما هو سر هذه الساعة، وكان لهذه الساعة علاقة بقرار اتخذه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود الله يرحمه، وأثناء 

تجولك داخل الحرم النبوي الشريف، وأنت تؤدي مناسك الحج أو العمرة أو الزيارة، محاطًا بالخشوع والرحمات والطمأنينة من كل جانب، سيلفت انتباهك "ساعة قيمة" معلقة على الحائط عند الباب المسمى بـ "باب السلام".

عندما تشاهد هذه الساعة لأول مرة وتقف أمامها، ستلاخظ أن توقيتها خاطئ، ولو تكررت الزيارة مرة بعد الأخرى وعام بعد عام، وعدت لنفس المكان عند "باب السلام"، ستجد أن توقيت الساعة، لم يتغير منذ سنوات عديدة، والتوقيت ثابت، قد يعتقد البعض أن هناك تقصير من إدارة الحرم.

والحقيقة أنه لا يوجد أي تقصير من جانب إدارة شؤون الحرم، ولكن هذه الساعة لها قصة، سوف نتعرف عليها خلال السطور التالية، لا يعرفها الكثيرون، لمعرفة سر تثبيت هذا الساعة القيمة على هذا التوقيت منذ سنوات طويلة.

في البداية، يجب أن نعرف أولاً، أن الليل سابق للنهار في الثقافة العربية، لذلك تجدنا نحن كمسلمين نصلي تراويح، في أول ليلة في رمضان قبل أن نصوم نهار أول يوم رمضان، وعلى هذا الأساس كان "توقيت الغروب" يبدأ في وقت مغيب الشمس.

الملك فيصل

ومع مغيب الشمس أو أذان المغرب، تبدأ الساعة الصفر، أي "12" ليلًا تبدأ من هذا التوقيت، المخصص لمغيب الشمس أو أذان المغرب، وبعدها تكون الساعة الواحدة وهكذا حتى بقية اليوم

"التوقيت الغروبي" أو التوقيت العربي، هو توقيت كان معتمد في أغلب الدول الإسلامية ومن ضمنها المملكة العربية السعودية، هذا التوقيت ببساطة كان يعتمد على غروب الشمس، وبداية الغروب فيه مع بداية غروب الشمس. 

وبمجرد أن يشاهد الناس الشمس وقد غربت، أو يسمعون صوت المؤذن لصلاة المغرب، يتجهون مباشرة إلى سعاتهم لضبطها أو "تعشيتها"، على "الساعة 12".

والمقصود بالتعشية، هو أن الساعات كانت قديمًا، تحتاج أن تقوم بمعايرتها (ضبطها)، ملء "الزمبلك" لكونها تعمل بالطاقة الميكانيكية، التي يتم اكتسابها بالتدوير يدويًّا بشكل يومي، كما أنها عرضة للعطب أو العطل المفاجئ، والضبط هنا يكون على "الساعة 12.

ولكن تم التخلي عن "التوقيت الغروبي"، الذي كان معمول به في عدة دول بسبب مشكلتين أولها هو اختلاف التوقيت بين المناطق، فالتوقيت في الرياض يختلف عن التوقيت في جدة ومثلها في الدمام وفي عدة مناطق بالمملكة العربية السعودية. 

وكانت توجد الفوارق بسيطة بحسب غروب الشمس، فتجد مثلا منطقة توقيتها 12:00 ومنطقة جنبها 12:02 ومنطقة قريبة منهم 12:04 وهذا تسبب في إرباك بأن كل مدينة لها توقيت خاص بها.

والسبب الثاني، هو أن إختيار "التوقيت الغروبي" التوقيت  العربي، تسبب في وجود عائق كبير في المراسلات الدولية والتواصل مع العالم، بسبب اختلاف هذا التوقيت مع اغلب التوقيتات العالمية. 

ولذلك عام 1384هـ/1964م أصدر الملك فيصل بن عبد العزيز، قرارًا ملكيًا بالتوقف على العمل بهذا التوقيت، وقرر العمل بالتوقيت الزوالي، وهو التوقيت الذي نعمل به اليوم والمعروف بتوقيت جرينيتش+3 ساعات.

وكانت الإذاعة السعودية، أول الجهات الحكومية التي طبقت قرار الملك فيصل، وأعلنت في ذلك اليوم مواعيد بث برامجها بالتوقيت الزوالي، ومثلما تعودنا في مجتمعاتنا فإن هذه القرارات سيكون فيها شد وجذب بين مؤيد ومعارض.

وكان من أبرز الأدباء والمثقفين الذين دافعو عن هذا التوقيت الدكتور حمود البدر والمرحوم عبد الكريم الجهيمان، ومن القصص الطريفة حول الموضوع، أن صديقين إلتقيا أحدهم ساعته على التوقيت الزوالي، وأراد أن يريها لصديقه كنوع من البريستيج والثقافة، ولكن الصدمة أن صديقه كان ضد هذا التوقيت الدخيل فكتب له هاذين البيتين:

ساعتك يا سعد خربوطة.. خربوطة مثل راعيها   

ماهي على الوقت مضبوطة.. وديها على السعاتي يسويها

ومع مرور الزمن، بدأت الناس تتعود على التوقيت الحالي، ونسيت التوقيت الزوالي، واليوم تم توحيد توقيت بالمملكة العربية السعودية، وكل الساعات أصبحت مضبوطة بهذا التوقيت، إلا ساعة وحدة وهي الساعة التي ظلت للتذكرة بـ"التوقيت الغروبي".

ساعة التوقيت الغروبي

تم وضع الساعة داخل الحرم النبوي عام 1370هـ، وكانت على التوقيت الغروبي ولازالت حتى اليوم على هذا التوقيت، ويتم ضبطها كل يوم وبشكل يدوي منذ أكثر من 70 سنة، ويتم ضبطها يوميًا من طرف الساعاتي عبد الغفور عبد الغني، والذي يعمل على ضبط هذه الساعة منذ 35 سنة.

حيث يبدأ كل يوم وبعد صلاة العشاء، يعمل ويراقب ويضبط الوقت في المسجد النبوي الشريف، على التوقيت الغروبي والمعتمد على غروب الشمس.

يحتفظ المسجد النبوي الشريف بهذه الساعة، كساعة تراثية قديمة، تعمل حتى اليوم وفق التوقيت الغروبي، وتبرز كمعلم تراثي أصيل يقاوم الزمن، يقف أمامها الزوار في حيرة، نظرًا لنظامها التوقيتي الغامض، الذي يستند على غروب الشمس، ليبدأ اليوم الجديد بضبط العقارب على الثانية عشرة تمامًا.

ويؤكد المؤرخون، أن الحرم الشريف زود بأول ساعة عام 1253هـ، كما تم تشييد دار خاصة بالتوقيت آنذاك، كذلك عرف من زمن "الساعاتجي"، أو ساعاتي الحرم النبوي الشريف كما يطلق عليه أهالي المدينة والمهتمين بتاريخ المسجد النبوي تسميته.

تعتبر مهنة "الساعاتجي" من المهن القديمة في المسجد النبوي، يتجاوز عمرها 400 عامًا، فساعاتي الحرم النبوي، هو المسؤول عن توقيت الساعات في المسجد النبوي، بنوعية العربي والمعتمد على ميزان الشمس. 

وفي عهد السلطان العثماني محمود الثاني، أضيفت لوظيفة الساعاتي ثلاث مهام وهي: ضبط التوقيت، وإصلاح الساعات، ومراقبتها.

تم نسخ الرابط