كيف احتفل الفراعنة بعيد العمال.. دراسة أثرية تكشف: مصر القديمة الأولى عالمياً

مصر القديمة أول من اعترفت بحقوق العمال.. بالتزامن مع الاحتفال بعيد العمال اليوم الخميس 1 مايو 2025، كشفت دراسة حديثة قدمتها حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان، عن أن أول من اعترف بحقوق العمال هي حضارة مصر القديمة، خاصةً العاملين في تشييد الحضارة وبناء المعالم الكبرى، وذلك ضمن رؤية الحضارة المصرية القديمة كحضارة إنسانية متكاملة.

حق العامل في تنظيم العمل وتوفير المعيشة الكريمة
ووفقًا لما أوضحته الدراسة التي أعدتها لجنة الدراسات والبحوث بالحملة برئاسة الدكتورة رنا التونسي، نائب رئيس الحملة، فقد اهتمت الدولة المصرية بتنظيم أوضاع العمال بشكل متكامل، من خلال توفير المسكن، والمأكل، والملبس، والرعاية الصحية، إضافة إلى تسهيل ظروف العمل وتذليل العقبات، خاصة بعد التحول للبناء بالحجر الذي أصبح له شأن عظيم في الدولة.
وتشير التونسي إلى أن عمال البناء في مصر القديمة حظوا بمكانة كبيرة، خاصة في ظل التوسع العمراني الكبير الذي شهدته الدولة، وقد وثقت النصوص المصرية القديمة حقوق العمال بشكل واضح، من حيث صرف الأجور كاملة، وتوفير المساكن والملابس، وتنظيم ساعات العمل، والرعاية الصحية، والإجازات المرضية.
ومن جهته أوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن توفير التغذية المناسبة لآلاف العمال كان من أبرز التحديات التي واجهت الدولة أثناء تنفيذ المشروعات الضخمة، لا سيما في عهد الدولة القديمة.
فقد كانت الوجبات اليومية خلال ساعات الراحة جزءً من الأجر، وشملت ما يعرف اليوم بـ "حمية البحر الأبيض المتوسط" التي تعتمد على الثوم، وزيت الزيتون، والخبز، والخضروات، والفواكه، والأسماك، والقليل من اللحوم، مما يعكس إدراكًا مبكرًا بأهمية الغذاء المتوازن في دعم العمالة المنتجة.

نظام دقيق لتنظيم ساعات العمل والإجازات
كما أوضحت الدراسة أن تنظيم وقت العمل كان حاضرًا بقوة، ففي عصر الدولة القديمة على سبيل المثال كان عمال بناء الأهرامات يستيقظون قبل شروق الشمس ويتجهون إلى موقع العمل في طوابير منظمة، عبر بوابة في سور حائط الغراب، وكانوا يعملون حتى الظهيرة، ثم يحصلون على ساعة راحة يتناولون خلالها الطعام، قبل استئناف العمل حتى الغروب، ليعودوا بعدها إلى ثكناتهم.
أما في قرية دير المدينة، فقد كان العمال يخرجون من منازلهم مع مطلع الفجر، يعملون ثماني ساعات يوميًا، بعد تسلم أدواتهم من الكاتب، ويحصلون على وجبة خفيفة منتصف اليوم، ثم يستأنفون العمل حتى انتهاء مهماتهم.
رعاية صحية متكاملة للعمال المصريين القدماء
وتناولت الدراسة جانبًا مهمًا وهو الرعاية الصحية للعمال، إذ بينت النصوص المصرية القديمة أن الإصابات أثناء العمل كانت شائعة بسبب الأدوات الحادة والأحجار الثقيلة التي كانوا يتعاملون معها، كما شارك فلاحون غير مدربين في الأعمال خلال مواسم الفيضان، مما زاد من احتمالية الإصابات.
وقد تعاملت الدولة مع هذا الواقع بإنشاء مراكز طوارئ طبية، وتوفير إجازات مرضية، وأطباء متخصصين في مواقع العمل، لا سيما في المناجم بسيناء حيث كان يتم استخراج النحاس والفيروز.

وأشارت الدراسة إلى وجود نظام طبي متكامل في مصر القديمة، حيث كان هناك طبيب الموقع، خاصة في المناجم والمقابر، وأطباء المجموعات، وهم مسؤولون عن تقديم الرعاية لفئة محددة من العمال، وطبيب المعبد الجنائزي وطبيب المقبرة، لخدمة العمال أثناء بناء المقابر.
وقد تم العثور على تمثال للطبيب الشهير بوير، يعود إلى عصر الأسرة التاسعة عشرة، محفوظ حاليًا في متحف الفاتيكان، ومنقوش عليه لقبه الرسمي "كبير الأطباء في الجبانة"، وهو ما يعكس التقدير الكبير للدور الطبي في بيئة العمل آنذاك.