
زيارة المشير خليفة حفتر إلى العلمين ولقاؤه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تؤكد أهمية الدور المصري في دفع مسار الحل السياسي في ليبيا، في ظل فشل الأمم المتحدة وتقاطع مصالح القوى الكبرى.
القيادة العامة… نفوذ واستعداد لدعم الحل
تُعد القيادة العامة للجيش الوطني الليبي أحد أهم الأطراف الجاهزة لدعم حل سياسي شامل، مستندة إلى سيطرتها الأمنية على مناطق استراتيجية في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي، ووسط ليبيا وشمالها الشرقي، إضافة إلى نفوذها في بعض مناطق الغرب.
يُشكل هذا الاستقرار الأمني دعامة أساسية لأي عملية سياسية، لما يوفره من بيئة آمنة تمكن من بناء مؤسسات موحدة تحمي السيادة الوطنية، وتساهم في إحلال الاستقرار والسلام في البلاد.
---
فشل الأمم المتحدة وتقاطع مصالح القوى الكبرى
على الرغم من تعيين نحو عشرة مبعوثين من الأمم المتحدة إلى ليبيا خلال أكثر من عقد، لم تحقق البعثة الأممية اختراقًا حقيقيًا لإنهاء الانقسام الليبي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تجاوز البعثة لدورها في تقديم الدعم والمشورة بحيادية، إضافة إلى انشغال القوى الكبرى بملفات إقليمية ودولية أخرى، وتقاطع مصالحها في ليبيا، مما أدى إلى تعقيد المشهد السياسي وتعميق الانقسام.
وتدخل الأمم المتحدة في الشأن الليبي في أحيان كثيرة كان يتعارض مع مهمتها الأساسية، ما زاد من الإحباط والتشكيك في إمكانية تحقيق تقدم تحت مظلتها، خاصة في ظل انشغالها بالقضايا العالمية التي لا تخدم الأولويات الليبية.
---
الدور المصري… توازن ومصالح مشتركة وقبول إقليمي وعربي
يبرز الدور المصري كعامل واقعي ومحوري في دعم استقرار ليبيا، مستندًا إلى علاقات تاريخية وروابط جغرافية وأمنية متينة بين البلدين. تمتلك مصر علاقات مميزة مع مختلف الأطراف الليبية، وتواصل دائم مع القوى الدولية الكبرى كأمريكا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، مما يمكنها من لعب دور الوسيط الفاعل لتقريب وجهات النظر ودفع الحلول الواقعية.
هذا الدور يحظى بقبول واسع على الصعيد العربي والإقليمي، حيث تعتبر مصر من الدول المحورية في منظومة الأمن والاستقرار في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ويُنظر إلى مشاركتها كدعم حقيقي وفعّال لمسار الحل السياسي في ليبيا، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي تضر بمصالح المنطقة.
مصر تعتبر ليبيا جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي، ولهذا فإن استقرار ليبيا ينعكس إيجابًا على أمن مصر والمنطقة ككل، وهو ما يدفع القاهرة لبذل جهود حثيثة في السعي لإيجاد حل سياسي شامل ومستدام.
---
تقارب مصري – تركي… فرصة لإسناد الحل
يمثل تحسن العلاقات بين مصر وتركيا فرصة مهمة لدعم مسار حوار ليبي – ليبي متوازن. فتركيا، باعتبارها طرفًا مؤثرًا في ليبيا، يمكن أن تتعاون مع مصر لإيجاد حل يحافظ على مصالح الليبيين ويحد من التدخلات السلبية.
هذا التقارب بين الدولتين الإقليميتين الكبيرتين يحمل في طياته إمكانية بناء توازن إقليمي جديد يدعم الحلول السياسية القائمة على الحوار الوطني، ويقود إلى تقليل التدخلات الخارجية التي لطالما زادت من تعقيد الأزمة.
---
جوهر الحل: إرادة الليبيين
على الرغم من الدور الإقليمي والدولي، يظل الحل الحقيقي مرهونًا بإرادة الليبيين أنفسهم، من خلال بناء الثقة المتبادلة، وتوحيد الموقف الوطني، وصياغة مشروع شامل يعيد ليبيا إلى مكانتها المستحقة كدولة موحدة ذات سيادة.
عليهم أن يعوا أن لكل دولة في الإقليم أو العالم مصالحها الخاصة، وهذا أمر طبيعي في العلاقات الدولية، لكن الأهم هو أن يكون لديهم مشروع وطني واضح يحمي مصالح بلدهم، ويضمن توزيعًا عادلاً للثروات وبناء مؤسسات قوية.
---
خاتمة: فرصة ومسؤولية
زيارة المشير خليفة حفتر إلى العلمين تعكس أهمية الدور المصري في الدفع نحو حل سياسي مستدام، في ظل تعثر المسارات الأممية وتضارب مصالح القوى الكبرى.
لكن النجاح الحقيقي يتطلب من الليبيين أنفسهم أن يتوافقوا على رؤية وطنية تبني مستقبل بلادهم، ويضعوا مصلحة ليبيا فوق أي اعتبارات أخرى، ليكون الحل ليبيًا خالصًا يخدم مصالح الشعب ويعيد الأمن والاستقرار للبلاد.