الإثنين 06 أكتوبر 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

في اللحظة التي ينشغل فيها العالم بالحروب والصراعات الجيوسياسية، يقف الشرق الأوسط على حافة أزمة اقتصادية قد تكون الأخطر منذ عقود. الأرقام لا تكذب: تضخم متسارع، ديون سيادية تتراكم، أسعار طاقة متقلبة، وعجز متزايد في موازنات دولية تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط أو المساعدات الخارجية. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل المنطقة مستعدة لمواجهة العاصفة القادمة، أم أن الانهيار الاقتصادي مسألة وقت فقط؟

الاقتصاد في الشرق الأوسط يعيش على مفترق طرق من جهة، هناك دول نفطية تمتلك فوائض مالية لكنها مهددة بتقلبات أسعار النفط العالمية، ومن جهة أخرى هناك دول عربية تعاني من عجز موازنات خانق وديون سيادية تلتهم أكثر من نصف إيراداتها العامة. في هذا المشهد، تتحول كل أزمة عالمية – من الحرب في أوكرانيا إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني – إلى كرة نار تتدحرج في أسواق المنطقة.

الدول العربية غير النفطية، مثل مصر ولبنان وتونس والأردن، تواجه تحديات مزدوجة: ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وفي نفس الوقت صعوبة الحصول على قروض جديدة من المؤسسات الدولية. ومع كل زيادة في أسعار الفائدة العالمية، تصبح خدمة الدين عبئًا خانقًا يهدد الاستقرار الاجتماعي قبل أن يهدد الموازنات. وهذا يعني أن أي هزة اقتصادية عالمية قد تتحول فورًا إلى احتجاجات في الشوارع، وانفجار في أسعار السلع الأساسية، وضغط غير مسبوق على الطبقات الوسطى والفقيرة.

لكن التحدي الأكبر هو أن الاقتصاد في الشرق الأوسط لم يعد قادرًا على الاحتماء بالمعادلة القديمة: النفط مقابل الأمن. فالطاقة نفسها لم تعد ورقة ضمان، إذ أن التحولات العالمية نحو الطاقة المتجددة تهدد على المدى المتوسط بتقليص أهمية النفط كمصدر وحيد للدخل. في المقابل، لم تستثمر معظم الدول بشكل كافٍ في بناء اقتصاد متنوع قادر على امتصاص الصدمات.

إن ما يلوح في الأفق ليس مجرد أزمة عابرة، بل موجة ديون سيادية جديدة قد تضرب المنطقة خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث تشير تقديرات مؤسسات مالية إلى أن أكثر من عشر دول عربية ستضطر لإعادة جدولة ديونها أو طلب مساعدات عاجلة. هذه ليست مجرد أرقام جامدة، بل إنذار سياسي واقتصادي معًا: من لا يملك استراتيجية تنمية حقيقية سيسقط في فخ التبعية الاقتصادية والقرارات المفروضة من الخارج.

اليوم، لم يعد السؤال: “هل سيتأثر الاقتصاد العربي بالأزمات العالمية؟” بل أصبح: “إلى أي مدى ستنفجر التداعيات داخل مجتمعاتنا؟” لأن التحدي ليس ماليًا فقط، بل سياسي أيضًا، فغياب الإصلاحات الاقتصادية العميقة، مع استمرار الفساد وضعف الاستثمار في التعليم والصناعة والتكنولوجيا، يعني أن أي أزمة مالية ستتحول فورًا إلى أزمة شرعية للحكومات نفسها.

الخلاصة أن الشرق الأوسط يقف أمام جرس إنذار اقتصادي صاخب: من لا يبني اليوم استراتيجية اقتصادية شاملة، سيجد نفسه غدًا رهينة أزمات متتالية تفرضها الأسواق العالمية والمؤسسات المالية الدولية. والرسالة واضحة: الاقتصاد ليس مجرد أرقام، بل مسألة بقاء .

تم نسخ الرابط