تشكل المناهج التعليمية حصيلة من الخبرات والمعارف التي تُقدَّم للطلاب تحت إشراف المؤسسة التعليمية، من خلال أنشطة هادفة، مصممة بصورة عملية ومنظمة؛ حيث يقوم المعلم والمتعلم كلٌّ بدوره المحدد بدقة، بما يضمن تنمية شاملة لشخصية الطالب، واكتساب سلوكيات إيجابية، وتصحيح ما هو غير مرغوب فيها، وبهذا يتم إعداد المتعلمين للحياة العملية، ليكونوا قادرين على المشاركة الفعالة في مسيرة التنمية والإصلاح.
إعداد الفرد ليكون عنصرًا فاعلًا في عملية البناء بمختلف أشكالها يُعد الركيزة الأساسية، التي تقوم عليها فلسفة المناهج التعليمية؛ إذ من خلالها نلبي احتياجات المجتمع، ونصون تراثنا الثقافي، ونعزز منظومة القيم النبيلة، ونواصل مسيرة الحضارة، كما تسعى المناهج إلى مواكبة متطلبات سوق العمل محليًا وعالميًا، من خلال تخريج أصحاب مهارات متميزة، يحملون على عاتقهم مسؤولية التقدم والازدهار، ويبذلون جهدًا متواصلًا لتحقيق الريادة في إطار تنافسي، يرتكز على فكر إيجابي شامل.
مناهجنا التعليمية تسعى باستمرار إلى تطوير أداء المؤسسات التعليمية بصورة مستدامة؛ إذ إن عملية تطوير المنهج تقوم على أساس المواكبة والتكيف مع المتغيرات، حتى نتجنب التخلف عن ركب التقدم السريع، والتطور التقني المتنامي، والانفجار المعرفي الذي تفرزه المراكز البحثية المتخصصة، ومن هنا تبرز الحاجة الدائمة إلى إعادة النظر في أهداف مناهجنا التعليمية؛ حتى نتمكن من النهوض بإمكانات مجتمعاتنا، وتلبية طموحاتها المشروعة، في سبيل إيجاد بيئة تدعم مقومات الحياة الكريمة، وتحقق الرفاهية التي ينشدها الإنسان في حاضره ومستقبله.
فكرة التناقل الثقافي والحفاظ على التراث، لا تتعارض مع تطوير المناهج التعليمية، غير أن الأمر يستلزم مراعاة التغيرات، التي تطرأ على منظومة القيم داخل المجتمع؛ فنحن نواجه حربًا شرسة تستهدف – عن قصد – تشويه البناء القيمي والمعرفي المتكامل، وهنا يبرز دور الإنسان باعتباره أثمن ما نملك؛ فبواسطة وجدانه وبنيته المعرفية ووعيه بثوابته، قادر على إحداث التحولات النوعية في مختلف المجالات؛ ومن ثم أصبح تحقيق التوازن في الإعداد والتأهيل عبر المناهج ضرورة لا يمكن إغفالها، بل يمكن القول إنها تمثل أولوية كبرى في مسار تطوير التعليم بمختلف أنماطه ومراحله.
توصلت البحوث التي قامت على نظريات فلسفية في الإطار التربوي، وأُجريت في بيئات متنوعة، إلى أن النظرة إلى مكونات المنهج التعليمي، قد شهدت تحولًا جذريًا؛ فقد تعرضت خصائص الفئات المستهدفة لتغيرات أثرت في تكوينها النفسي والاجتماعي، وحتى في أنماط تفكيرها؛ ومن ثم أصبح من الضروري تعديل الممارسات التقليدية، التي استمرت لفترات طويلة؛ لنتمكن من تحقيق أهداف تجمع بين الأصالة والمعاصرة في آن واحد، بما يضمن بقاء البنيان التربوي قادرًا على أداء المهام الموكلة إليه بكفاءة وفاعلية.
تجاهل التحولات الفكرية والثقافية التي تدور من حولنا لم يعد ممكنًا، كما لا يمكن أن نكتسب خبرات جديدة بمعزل عن فلسفة الاندماج في المجتمع العالمي؛ فقد أصبح التطوير سمة أساسية لهذا العصر، الذي تحوّل فيه العالم إلى "مدينة كونية" قائمة على التواصل المستمر لحظة بلحظة، وصار التبادل والتفاعل بين المجتمعات من أبرز خصائصه، وهو ما يكشف لنا حجم التأثير وخطورة الفجوات، التي قد تنشأ في حال التباطؤ؛ لذلك أصبح من الضروري العمل على تطوير مناهجنا التعليمية، عبر جميع المراحل، بسرعة وكفاءة تواكب هذا الواقع المتغير.
إدراكنا لفلسفة التطوير، يعني أنه ليس مجرد تعديل في محتوى المنهج وخبراته، بل، عملية شاملة تتضمن صياغة أهداف جديدة، تُترجم إلى أنشطة ملائمة، مدعومة بتقنيات ومعينات تعليمية تعزز من عملية اكتساب الخبرات، كما يستلزم الأمر تبني مداخل واستراتيجيات تدريسية حديثة، تتيح للمتعلم أن يؤدي أدوارًا حقيقية داخل بيئات تعليمية متنوعة، وبهذا تصبح المناهج أداة فاعلة تقدم خبرات ثرية، تجمع بين المعارف التي تبني فكرًا سليمًا، والمهارات الأدائية والعقلية والاجتماعية، فينشأ وجدان راقٍ يعزز الاتجاهات الإيجابية، ويغذي دافعية التعلم، ويشجع على حب الاستطلاع، ويولد ميولًا إيجابية نحو المادة وأستاذها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.