تصاعد التوترات بين ترامب وزوكربيرج بسبب ضرائب الخدمات الرقمية

عاد ملف ضرائب الخدمات الرقمية إلى واجهة التوترات التجارية العالمية، وذلك بعد لقاء جمع بين الرئيس التنفيذي لشركة ميتا لاتفورمر مارك زوكربيرج بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد مؤخرًا إلى البيت الأبيض.
اللقاء الذي جري الأسبوع الماضي سلط الضوء على مخاوف شركات التكنولوجيا الأمريكية من تصاعد التوجهات الأوروبية والكندية نحو فرض ضرائب رقمية على الشركات العاملة في مجال الخدمات الرقمية، وهو ما دفع ترامب إلى إطلاق تهديدات علنية عن فرض رسوم جمركية عقابية على الدول التي تفرض ضرائب.
مارك يحذر من تهديدات الضرائب الرقمية
في اجتماعه مع ترامب، ناقش مارك زوكربيرج خطورة الضرائب الرقمية التي تفرضها العديد من الدول، خاصة في أوروبا، على شركات التكنولوجيا الأمريكية، وهذه الضرائب تفرض على الإيرادات المتأتية من الإعلانات الرقمية والبث وبيع البيانات للمستخديمن داخل البلدان، وذلك دون النظر لمكان تسجيل الشركة.
كما يمثل هذا التوجه عبئًا ماليًا كبيرًا على شركات مثل ميتاـ جوجل، أمازون، وأبل، والتي تعتمد بشكل رسمي على إيراداتها من المستخدمين حول العالم، فعلى سبيل المثال، أعلنت ميتا في يوليو الماضي عن إيرادات تجاوزت 47.5 مليار دةولار للربع المنتهي في 30 يونيو، وهو ورقم يفوق توقعات المحللين، إلا أن جزء متزايدًا من هذه الإيرادات قد يصبح عرضة للضرائب في الخارج.
رد ترامب: تهديدات ورسوم جمركية على السلع الأوروبية
رد ترامب لم يتأخر كثيرًا، فبعد أيام من اللقاء، صرح بأنه سيدرس فرض رسوم جمركية إضافية على الدول التي تطبق الضرائب الرقمية، مشيرًا إلى أن هذه السياسات "تمييزية" ضد شركات التكنولوجيا الأميركية.

وقال ترامب إن هذه الضرائب لا تهدف إلى تحقيق العدالة الضريبية، بل إلى تقويض التفوق التكنولوجي الأميركي، كما أمر بإعادة فتح تحقيقات "المادة 301" التي تتيح للولايات المتحدة الرد على ما تعتبره ممارسات تجارية غير عادلة، تمهيدًا لاتخاذ إجراءات انتقامية تشمل الرسوم الجمركية وقيودًا على تصدير التكنولوجيا.
ردود دولية متباينة: كندا تتراجع وأوروبا تصمد
وفي حين أبدت بعض الدول مرونة تجاه تهديدات ترامب، مثل كندا التي ألغت ضريبتها الرقمية قبل ساعات من دخولها حيز التنفيذ في يونيو الماضي لتسهيل المفاوضات التجارية مع واشنطن، إلا أن دولًا أوروبية رئيسية، مثل فرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا، رفضت التراجع.
فرنسا، على وجه الخصوص، كانت من أوائل الدول التي فرضت في عام 2019 ضريبة بنسبة 3% على إيرادات الإعلانات والخدمات الرقمية التي تحققها الشركات الكبرى التي تتجاوز عائداتها 750 مليون يورو عالميًا و25 مليون يورو محليًا.
أما المملكة المتحدة، فرغم توقيعها اتفاقًا تجاريًا مع الولايات المتحدة في مايو الماضي، رفضت إلغاء ضريبتها، مما دفع الإدارة الأميركية للتعبير عن "خيبة أملها"، حسب ما نقلته وكالة "بلومبيرج".
أسباب فرض ضرائب الخدمات الرقمية
ترى الدول التي فرضت هذه الضرائب، خاصة في أوروبا، أن النظام الضريبي الدولي التقليدي لم يعد ملائمًا لعصر الاقتصاد الرقمي، إذ غالبًا ما لا تملك الشركات الرقمية الكبرى وجودًا ماديًا في البلدان التي تجني منها أرباحًا طائلة وبالتالي، فإن هذه الدول تعتبر فرض الضرائب على أساس الأرباح فقط غير عادل، وتطالب بنظام يفرض الضرائب على الإيرادات التي تتحقق من داخل حدودها.
وجاءت هذه الضغوط بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث تصاعدت الدعوات لتحقيق العدالة الضريبية ومحاسبة الشركات الكبرى التي تحقق أرباحًا هائلة دون دفع نصيب عادل من الضرائب في البلدان التي تعمل فيها.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تسعى لحل شامل
تعمل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) منذ سنوات على وضع إطار عالمي مشترك لإعادة هيكلة النظام الضريبي الدولي. وقد شاركت أكثر من 140 دولة في هذه المفاوضات، إلا أن التقدم كان بطيئًا بسبب الخلافات السياسية، خاصة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وتعهدت بعض الدول الأوروبية بإلغاء ضرائبها الرقمية فور التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل ضمن هذا الإطار، ولكن حتى الآن، لا تزال الضبابية تحيط بمستقبل هذه المفاوضات، ما يُبقي النزاع قائمًا.
اقرأ ايضًا: ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية إضافية على هذه الدول
ضريبة جديدة على الهواتف المحمولة بنسبة 45%، المصلحة توضح الحقيقة الكاملة
أبعاد سياسية وتجارية للصراع
يرى محللون أن الملف الضريبي لم يعد محصورًا في الإطار المالي أو الاقتصادي، بل أصبح ورقة ضغط سياسية بامتياز، فبينما تسعى دول مثل فرنسا لتعزيز مواردها المالية وسط عجز متزايد في الميزانية، تنظر إدارة ترامب إلى هذه الضرائب كاعتداء مباشر على التفوق الأميركي في مجال التكنولوجيا.
كما يسعى ترامب من خلال التصعيد إلى إعادة تشكيل قواعد التجارة الدولية بما يتماشى مع رؤيته لحماية المصالح الأميركية، حتى لو أدى ذلك إلى توتر العلاقات مع حلفاء تقليديين.
هل يمكن تهدئة التوترات؟
رغم التصعيد، تبقى هناك نافذة للحوار، فقد أبدت شركات التكنولوجيا العالمية تأييدها لمبادرة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، باعتبارها سبيلًا لتوحيد المعايير الضريبية العالمية وتجنب التشتت والازدواج الضريبي.
وفي بيان مشترك لمجموعة السبع في يونيو الماضي، تعهدت الولايات المتحدة ودول أخرى بدعم "حوار بناء" حول ضرائب الاقتصاد الرقمي، مع التأكيد على أهمية الوصول إلى اتفاق عادل وشامل.