الإثنين 18 أغسطس 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

بين ركام الدماء والرماد، تقف الجرائم الإرهابية التي شهدتها مصر، من مسجد الروضة إلى الواحات البحرية، شاهداً على انحراف فكري خطير جعل من الدين ستاراً لقتل الأبرياء. 

الغريب أن كثيراً من هذه العناصر التي حملت السلاح لم يكونوا مصريين أصلاً، بل جرى استقدامهم من ليبيا وسوريا والعراق، تحت شعار كاذب اسمه "الهجرة في سبيل الله". 

لكن أي هجرة يقصدون؟ وأي نصوص قرآنية يتكئون عليها؟ وهل يجيز الدين أن تتحول الهجرة إلى جواز سفر للذبح والتفجير؟

من "دار الإيمان" إلى "دار الشرك".. وهم تقسيم الأوطان

يشرح الدكتور محمد راشد، أستاذ بجامعة الأزهر الشريف، أن هذه الجماعات الإرهابية أعادت تعريف مفهوم الهجرة بما يتعارض كلياً مع مقاصد الشريعة. 

فهي ترى أن الانتقال من بلد عربي إلى آخر كقدوم مقاتلين من العراق أو سوريا إلى مصر ضرب من الجهاد في سبيل الله، رغم أن النبي ﷺ حسم الأمر بقوله: "لا هجرة بعد الفتح".

الأخطر أن تلك التنظيمات قسمت العالم الإسلامي إلى ديار إيمان وديار شرك، فوصمت مصر زيفاً بأنها «دار كفر» لتسوّغ لأنصارها السفر إليها تحت شعار الهجرة، ثم القتال والقتل بزعم تطبيق الشريعة.

بل تجاوزت ذلك إلى تكفير المسلمين المخالفين لها، واعتبارهم «صائلين » يجوز سفك دمائهم.

آيات في غير موضعها

ولتبرير جرائمها، لجأت هذه الجماعات إلى تأويل آيات من سورتي الأنفال والتوبة، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}، لتصنع منها دستوراً دموياً. 

غير أن هذه النصوص نزلت في سياق تاريخي محدد هو مرحلة بناء الدولة الإسلامية الأولى، حيث كانت الهجرة واجبة للانتقال من دار الكفر في مكة إلى دار الإيمان في المدينة. 

أما اليوم، وقد استقر الإسلام في أقطار الأرض، فإن «الهجرة الشرعية» لم تعد انتقالاً جغرافياً، بل رحلة قلبية من معصية إلى طاعة، ومن ضعف إلى استقامة، ومن عبودية البشر إلى عبودية الله وحده.

المعنى الحقيقي للهجرة

المفهوم الأصيل للهجرة، كما يبين علماء الأزهر، ليس شدّ الرحال بين البلدان الإسلامية، وإنما هو هجرة النفس من الفساد إلى الصلاح. 

فالمسلم الحقّ هو من «سلم المسلمون من لسانه ويده»، كما قال النبي ﷺ، والمهاجر هو من «هجر ما نهى الله عنه».

 بهذا المعنى، تصبح الهجرة عبادة روحية، لا خطة عسكرية ولا ذريعة لقتل الأبرياء.

إن الجماعات التكفيرية ارتكبت خطيئة مزدوجة: حرّفت النصوص عن سياقها التاريخي والديني، ثم وظّفتها في مشروع دموي يخدم أجندات سياسية واستعمارية. وبينما ترفع شعار «الجهاد» فإنها تمارس نقيضه تماماً، فتحوّل مفهوم الهجرة من جسر إلى الله، إلى جسر يعبر فوق جثث الأبرياء.

تم نسخ الرابط