الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

في عالمٍ يزدهر فيه التفاعل الرقمي على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح لكل فكرة أو رأي أو صورة صدًى واسعًا يمتد من الشاشات إلى القلوب والعقول، يظهر بين الحين والآخر ظواهر قد تبدو للوهلة الأولى خفيفة الظل، لكنها تحمل في طياتها سمومًا قاتلة. 

واحدة من تلك الظواهر التي تنتشر كالنار في الهشيم هي مجموعة "العواطلية" على منصة "فيس بوك"، هذه المجموعة التي انطلقت معبرة عن نفسها من خلال السخرية والتهكم على أولئك الذين يسعون جاهدين في بناء مجتمعاتهم، وتطوير أنفسهم، وكسب لقمة العيش بشرف، لتتحول إلى منصة للنقد الهدام والتنمر الذي لا يراعي أي حدود.

إن المأساة الحقيقية التي يكمن فيها هذا النوع من المجموعات هو أنه لا يقتصر على مجرد السخرية من فئة معينة أو انتقاد مجتمعي بناء، بل يصل إلى درجة التحريض على الاستهزاء بمجهودات الآخرين. 

اقرأ أيضًا:

بدر الصعيد الذي أضاء العالم

قد يعتقد البعض أن هذه السخرية ما هي إلا دعابة خفيفة، أو لحظة مرحة تهدف إلى تحطيم ملل الحياة اليومية، ولكن خلف تلك النكات الزائفة يكمن خطر عظيم، الخطر الذي يعصف بالقيم الإنسانية ويغتال تلك الروح الرفيعة التي يجب أن تسود بين أبناء المجتمع.

كم هو محزن أن نرى في هذه المجموعة أفرادًا يتخذون من التهكم على أصحاب العمل، أو المجتهدين في طلب الرزق، أو الساعين لتحسين واقعهم الاجتماعي، وسيلة لتحقيق المتعة الزائفة! وهل من العدل أن يتحول الناس إلى كائنات هزلية في نظر الآخرين، لمجرد أنهم اختاروا طريق الجد والاجتهاد؟

إن أولئك الذين يسيرون في طريق العمل والجدية ليسوا مجرد أدوات في عجلة الحياة، بل هم الأشخاص الذين يسهمون في بناء الحضارات وصناعة المستقبل، نحن بحاجة إلى هذه الهمم، إلى هذه الأيدي التي تزرع وتبني، لا إلى أولئك الذين يقتاتون على سخرياتهم القاتلة. 

كيف لنا أن نبني مجتمعًا قويًا إذا كانت قوة كلماته تتمثل في السخرية من أفراده؟ كيف يمكننا أن نرفع من شأن إنسانية الإنسان إذا كنا نشكك في قدراته وأحلامه؟

يجب أن نعلم أن النقد البناء هو ذلك الذي ينبع من فكر متفتح يهدف إلى الإصلاح والتطوير، أما السخرية المدمرة فهي تلك التي لا تراعي مشاعر الآخرين ولا تقيم وزنًا للمعاناة التي قد يمر بها الأفراد في مسعاهم لتحقيق طموحاتهم.

لقد أعطت هذه المجموعات، مثل: "العواطلية"، لنفسها الحق في التمرد على المعايير الأخلاقية والإنسانية، مستغلة فضاء "فيس بوك" كمنصة لنشر ثقافة الهدم لا البناء. 

ولا يمكننا إلا أن نؤكد على ضرورة احترام الآخرين وتقدير جهودهم في العمل الحياتي، وأن نتذكر دائمًا أن هناك قيمة عظيمة في أن نكون أداة إيجابية لا سلبية في هذا العالم.

أليس من الأجدر بنا أن نحتفل بإنجازات الآخرين، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وأن نكون شركاء في النجاح بدلاً من أن نكون مجرد شهود على فشلهم؟ أليس من الأجدر بنا أن نحتذي بنهج يكرس العمل والجد بدلاً من أن نغرق في مستنقع السخرية والتهكم؟

إن تجاهل مخاطر مثل هذه المجموعات يعني أننا نغض الطرف عن ما يترتب عليها من تدمير للقيم، ونشوء جيل يظن أن السخرية هي سلاحه في مواجهة الحياة، في حين أن القوة الحقيقية تكمن في الاحترام المتبادل والعمل الجاد.

 فلنحذر جميعًا من فخاخ "العواطلية"، ولنتمسك بما يعزز من إنسانيتنا، من احترامنا لبعضنا البعض، ومن سعينا لبناء مجتمع أفضل.

تم نسخ الرابط