الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الكاتبة الصحفية أحلام
الكاتبة الصحفية أحلام عبد الرحمن

انطلقت اليوم امتحانات الثانوية العامة «الدور الثاني» لتعيد إلى الواجهة قضية أخلاقية خطيرة تهدد مستقبل التعليم والمجتمع معًا، وهي ظاهرة الغش التي تتكرر في كل موسم امتحانات رغم كل الإجراءات الرقابية. 

الغش ليس مجرد مخالفة للائحة أو تجاوز إداري بل جريمة قيمية عميقة، لأنه يقتل روح الأمانة ويؤسس لجيل اعتاد الكذب والخداع، فيصبح النجاح بلا جهد عادة، والشهادة بلا استحقاق وسيلة، والنتيجة أمة تبني مستقبلها على وهم.

القرآن الكريم وضع أساسًا قيميًا راسخًا يحرم كل صور الغش والخداع، حيث قال تعالى: "ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" (المطففين 1-3). 

والمطففون هم الذين يأخذون حقوقهم كاملة وينقصون حقوق الآخرين، والغش في الامتحان صورة من هذا السلوك، إذ ينال الطالب درجة لا يستحقها فيتعدى على حق غيره. 

كما أن السنة النبوية جاءت حاسمة في التحذير من كل أنواع الغش، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" (رواه مسلم)، وهو نص صريح يُخرج الغاش من دائرة الانتماء القيمي للأمة، تأكيدًا على خطورة هذا الفعل وكونه من كبائر الأخلاق المذمومة.

إن المسؤولية هنا لا تقع على الطالب وحده، فالأسرة التي تسكت أو تشجع تُشارك في الجريمة، والمعلم الذي يغض الطرف عن الغش شريك فيه، والمدرسة التي تركز على الدرجات وتهمل غرس القيم تُربي على الزيف، والدولة التي لا تُفعّل الرقابة الرادعة تُسهم في تفشي الظاهرة. 

كما أن المجتمع الذي يبرر الغش بذريعة صعوبة الامتحان أو ضيق الفرصة إنما يقتل الضمير الجمعي، ويمهد لطبع الغش كقيمة مقبولة.

الخطر الحقيقي يظهر عندما يتحول الطالب الغشاش إلى طبيب يعبث بأرواح الناس، أو مهندس يبني عمارة آيلة للسقوط، أو موظف مرتشٍ يضيع حقوق المواطنين. 

وعندها يصبح الغش في قاعة الامتحان بذرة فساد في مؤسسات الدولة كلها، وتهتز الثقة بالعلم والشهادة والمؤهل، هنا ندرك أن مكافحة الغش ليست قضية تعليمية فحسب بل قضية أمن قومي وقيم مجتمعية.

إن الطريق الصحيح لا يقتصر على تشديد الإجراءات الأمنية أو توظيف التكنولوجيا في مراقبة اللجان، بل يحتاج إلى إعادة بناء الوعي القيمي للطلاب، وأن يدرك كل طالب أن الامتحان مرحلة، وأن الفشل فيه ليس نهاية الطريق، وأن النجاح بالغش انتصار وهمي لا يصمد أمام اختبار الحياة. 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك" (رواه الترمذي)، والعلم أمانة والشهادة أمانة والمستقبل كله أمانة، وأمة لا تحفظ الأمانة في امتحانات طلابها لن تحفظها في اقتصادها ولا سياستها ولا مؤسساتها.

امتحانات الدور الثاني اليوم ليست مجرد اختبار دراسي، بل هي اختبار قيمي للأمة كلها، فإما أن تعود قاعات الامتحانات إلى رسالتها الحقيقية كمدارس لتربية الضمير، وإما أن نظل ندفع ثمن الغش في كل مؤسسة وقطاع، من الصحة إلى الهندسة إلى الإدارة، وعندما نحارب الغش بصدق، فإننا لا نحمي فقط مستقبل الطلاب، بل نحمي مستقبل الوطن ذاته.

تم نسخ الرابط