الأربعاء 13 أغسطس 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

الإعلام بدون قانون يصون «الحرية» ويضمن «تداول المعلومات» يصبح سيفًا بلا غمد، قد يجرح الحقيقة بدلاً من أن يحميها، وفي غياب الضوابط الرشيدة، تتحول المنابر الإعلامية إلى ساحات للفوضى، وتختلط الأصوات الصادقة بضجيج المضللين. 

وحده الإعلام الوطني المنظم بقوانين عادلة، هو من يملك القدرة على الجمع بين حرية التعبير ومسؤولية الكلمة، فيصنع وعيًا يبني ولا يهدم، ويحمي عقول المواطنين من رصاص الشائعات المسمومة والأخبار الكاذبة. 

تلك المعادلة الدقيقة بين الحرية والانضباط ليست قيدًا على الصحافة أو السلطة والنظام، بل ضمانة لأن تبقى رسالتها نورًا يهتدي به الوطن في زمن تتكاثر فيه العواصف الإعلامية وتشتد فيه حروب العقول.

لقد أصبحنا في زمن تتصارع فيه الحقائق مع الأكاذيب على شاشات الهواتف وصفحات المواقع، وتحول المشهد الإعلامي العالمي إلى ساحة معركة مفتوحة تتلاقى فيها الروايات المتضاربة وتتسابق الأخبار الموثوقة مع الشائعات الموجهة. 

في خضم هذا الواقع المربك، برزت اليوم توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه بالوزير خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام، والمهندس عبد الصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، و أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، موجهاً بضرورة إتاحة المعلومات وسنّ قانون لحرية تداولها، باعتبار أن أمن الدولة يبدأ من أمن المعلومة.

ولأن حرية الكلمة بلا تطوير هي جناح مكسور، وجّه الرئيس بوضع خارطة طريق شاملة لتحديث الإعلام المصري، تستعين بخبرات وكفاءات متخصصة، ليواكب الإعلام الوطني التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، ويؤدي رسالته بما يتناغم مع توجهات الدولة المصرية الحديثة ورؤية الجمهورية الجديدة.

ولأن صناعة الإعلام لا تزدهر إلا بأيدي أبنائها، دعا الرئيس إلى تمكين الكوادر الشابة المؤهلة، وتنظيم برامج تدريبية وتثقيفية للعاملين، ترتكز على مفاهيم الأمن القومي والانفتاح على مختلف الآراء، لترسيخ مبدأ «الرأي والرأي الآخر» كقاعدة راسخة في الممارسة الإعلامية المصرية.

حديث الرئيس لم يكن تصريحًا بروتوكوليًا عابرًا، بل إعلانًا لمبدأ استراتيجي جوهري مفادها، أن الكلمة الصادقة درع يحمي العقول من سموم التضليل، ويصون وعي الشعوب من الانزلاق نحو الفوضى المعلوماتية.

المشهد العالمي يعكس أزمة ثقة متفاقمة في الإعلام؛ حيث تشير الإحصائايات الدولية إلى أن هناك أكثر من 4.25 مليار إنسان يعيشون في دول مصنفة "حمراء" على خريطة حرية الصحافة، وفق تقرير مراسلون بلا حدود لعام 2025، في إشارة إلى رقابة مشددة أو حصار خانق للمعلومة.

وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية، التي طالما قُدمت نموذجًا للحرية الصحفية، ضمن هذه المناطق بعد أن تراجعت إلى المرتبة 57 عالميًا، فيما لا تتجاوز نسبة الاستجابة الكاملة لطلبات "حرية المعلومات" 16% من أصل مليون و200 ألف طلب سُجلت عام 2023، ما يعكس أزمة عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية وتضع الإعلام أمام تحديات غير مسبوقة.

مصر، صاحبة التاريخ العريق في الصحافة، تواجه بدورها واقعًا يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمعلومة؛ إذ تحتل المرتبة 170 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024، مع تسجيل 367 انتهاكًا موثقًا بحق الصحفيين خلال عام واحد.

هذه الأرقام ليست مجرد بيانات، بل مؤشرات على أن إصدار قانون يضمن حرية تداول المعلومات لم يعد ترفًا تشريعيًا، بل ضرورة استراتيجية لبناء حصن إعلامي وطني قادر على مواجهة الحروب الناعمة وحملات التشويه.

إن الصحافة الحرة تمثل خط الدفاع الأول عن الوعي الجمعي، وهي القادرة على سد الثغرات التي تتسلل منها الشائعات لهز استقرار المجتمعات. 

كما أن إتاحة المعلومات للصحفيين تعني تحويلهم من مجرد ناقلين للأخبار إلى جنود على جبهة حماية العقول، فيما يصبح المواطن شريكًا فاعلًا في صناعة القرار، لا متلقيًا سلبيًا لروايات مشوشة، فالمعادلة واضحة: مواطن واعٍ + إعلام حر = وطن آمن.

موقع المستقبل | ابرز ما جاء في الصحافة المصرية ليوم 16-5-2015: #مصر في سباق  مع الزمن

توجيهات الرئيس السيسي تفتح الباب لوضع خارطة طريق متكاملة تبدأ بإصدار قانون حرية تداول المعلومات، مرورًا بتطوير برامج تدريب الصحفيين على تقنيات التحقيق الميداني والتحقق الرقمي، وضمان استقلالية التمويل الإعلامي بعيدًا عن التوظيف السياسي، ووضع آليات قانونية لحماية الصحفيين من أي استهداف مهني، وإنشاء منصات رسمية لتسريع تدفق المعلومات وتقليص اعتماد الجمهور على المصادر المجهولة.

والخلاصة أن الصحافة الحقيقية ليست سجلًا للأحداث فحسب، بل ذاكرة الأمة ودرعها الواقي، وركيزة أساسية لأي مشروع وطني يسعى للاستقرار والنهوض.

وفي عالم تشتد فيه معارك الوعي، يصبح الإعلام الحر والمستقل أقوى من أي سلاح مادي، وتتحول المعلومة الآمنة إلى سلاح استراتيجي يحمي الحاضر ويصنع المستقبل، لتبقى مصر بجمهوريتها الجديدة قادرة على مواجهة التحديات بعقل مفتوح وإرادة لا تلين.

د. حماد الرمحي

خبير التحول الرقمي في الصحافة والإعلام

تم نسخ الرابط