الثلاثاء 19 أغسطس 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

ليس غريبًا أن يُقال: “الخال والد”، بل لعلها واحدة من أكثر العبارات التي تُنطق صدقًا لا مجازًا. 

فالخال، في حضوره البهيّ ووجهه المبتسم، يختصر نصف العائلة في شخص، ونصف الطمأنينة في كلمة، ونصف الحنان في نظرة. 

لكن حين يكون “الخال طيبًا”، لا تنطبق عليه المقولة فقط، بل تتجاوزها ليصبح هو الأب الثاني، والصديق الأول، والظل البارد في قيظ الحياة.

وكأن الحديث هنا يُكتب عنه هو تحديدًا… عن خالي الطيب حسن فراج، فهو لم يكن يحتاج إلى كثير من الكلام، فقد كان يفهمك من نظرة، ويحتويك بصمت، ويغنيك عن الشكوى بسؤال صغير يُلقيه بعفوية: “عامل إيه يا حبيبي؟”.

تلك الجملة البسيطة، بنغمتها المحببة على لسانه، كانت كفيلة بأن تذيب متاعب يوم بأكمله.

كان يشبه طمأنينة القلب في صباح بارد، وحنان النسيم في مساء خريفي، لا يُفرض نفسه على أحد، لكنه حاضر كأنفاس العائلة، لا نشعر بوجوده إلا حين نفتقده، اليوم، نفتقده بحق، بعد أن غاب بجسده، وبقي طيفه حاضرًا فينا لا يغيب.

خالي الطيب حسن فراج كان يحملني على كتفيه في الطفولة، فيبدو العالم من فوقه أجمل وأكثر اتساعًا.

كان يضحك من أعماقه حين يراني سعيدًا، ويخفي دمعته في خفية حين يراني أعاني.

لم يطلب مقابلًا على محبته، ولم يعتب إذا غبت، بل ظل على العهد، وفيًّا لحبه القديم، حتى آخر لحظة من حياته.

رحل خالي الطيب، في صمت يشبه طبعه، لكن أثره ظل يصرخ فينا.

ترك لنا من الحنين ما لا يُروى، ومن الذكريات ما لا يُنسى، ومن الفراغ ما لا يُملأ.

غاب وجهه عن العيون، لكنه استقر في القلب إلى الأبد.

لم يكن مجرد خال، بل كان قطعة من الروح، وجزءًا من البيت، وسطرًا دافئًا في كتاب حياتنا.

كان لا يحكم علينا، بل يفهمنا، ولا يقسو علينا، بل يُربّت على أرواحنا بلطف.

صوته ناعم حين يُحدثنا، ومواقفه صلبة حين يدافع عنا، وإن أخطأنا، لم يفضحنا، بل أعادنا للطريق بصبر الأب، ورفق المعلم، وحرص العاشق.

الخال الطيب حسن فراج، هو من كان يحمل “كيس الحلوى” لي في صغري، وكان يحمل في قلبه دعوات لا تنقطع لي في كبري.

لم ينسَ عيد ميلادي، ولا أول يوم مدرسة، ولا حتى مشاكلي التي بُحّ صوتي في شرحها، فكان ينصت، ويهز رأسه، ثم يقول: “ما تقلقش… كل حاجة هتعدي”.

واليوم، بعد أن مضى، لا تزال كلماته تتردد في أذني، تمنحني من الطمأنينة ما لم تعد تمنحه الأيام.

في جلسات العائلة، كان هو الضاحك دائمًا، والساخر من نفسه قبل أن يسخر من الآخرين، يوزع البهجة بالتساوي، كأن له حصة مقدسة من الفرح يُلقيها فوق رؤوس الجميع.

لم يكن يغيب عن الأفراح، ولا يتأخر في الأزمات، كان يأتي قبل المدعوّين، ويغادر بعد أن يطمئن أن كل شيء على ما يُرام.

واليوم، غاب خالي الطيب حسن فراج، لكنه لم يغب أبدًا عن دعائنا، ولا عن أرواحنا التي تفتقده في كل لمحة.

لا يشيب في نظرنا أبدًا، حتى وإن احتضنه التراب، فهو في أعيننا كما عرفناه أول مرة: السند، والرفيق، والوجه الطيب في زمنٍ قلّ فيه الطيبون.

في زمن يركض فيه الناس خلف المصالح، يبقى خالي حسن فراج استثناءً نادرًا، وعاطفة لا يمكن أن تُشترى أو تُعوّض.

وإن كانت الأم وطنًا، والأب جدارًا، فالخال الطيب هو الزهرة التي تنمو على حافة هذا الوطن، وتُعطر كل جدار بقربها…

وإذا ذبلت، تبقى رائحتها في الذاكرة ما حيينا.

إلى روحك الطيبة يا خالي حسن فراج… كل دعائي وسلامي إليك، فقد كنت لنا حياة تمشي بيننا، وها أنت اليوم ذاكرة لا تموت.

تم نسخ الرابط