علامات مبكرة لاكتشاف مشاكل السمع عند الأطفال

السمع ليس مجرد حاسة نولد بها، بل هو الحبل السري الجديد الذي يربط الطفل بالعالم الخارجي بعد ولادته.

هو الوسيلة الأولى التي يتعرف بها على صوت أمه، ويتعلم بها اللغة، ويبدأ من خلالها تشكيل مشاعره وردود أفعاله. 

لذلك، فإن أي خلل في هذه الحاسة الدقيقة قد يؤثر بشكل مباشر على نموه العاطفي، وتطوره الاجتماعي، ومهاراته اللغوية.

في كثير من الأحيان، تمر علامات ضعف السمع لدى الأطفال دون أن تُكتشف، ليس لندرتها، بل لأنها تكون خفية أو متدرجة. 

لهذا نضع بين يديكِ اليوم هذا الدليل المبسط الذي يسرد أبرز المؤشرات التي قد تدل على ضعف سمعي، مقسّمة حسب مراحل النمو، لتتمكني من المتابعة بدقة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الوقت المناسب.

منذ الولادة وحتى عمر 4 سنوات، المرحلة التي تتحدث فيها ملامح الطفل أكثر من كلماته، وخلال هذه السنوات التأسيسية، تظهر بعض السلوكيات التي قد تُنذر بوجود ضعف سمع، حتى وإن لم يكن واضحًا بعد بالكلام، ومن هذه العلامات:

•  لا يظهر رد فعل عند سماع الأصوات العالية أو المفاجئة (كأن يفزع أو يرمش).
•  لا يلتفت نحو مصدر الصوت، حتى إن كان صوتكِ.
•  لا يُصدر أصوات مناغاة، أو يتأخر فيها مقارنة بأقرانه.
•  لا يتفاعل عندما يُنادى عليه، لا صوتيًا ولا بصريًا.
•  لا يهتم بالأصوات المحيطة مثل الموسيقى أو الألعاب الناطقة.
•  يتأخر في نطق كلماته الأولى مثل "بابا" و"ماما".
•  لا يستجيب للتعليمات البسيطة، إلا إذا كانت مصحوبة بإشارات يدوية.
•  لا يُكرر ما يسمعه من الكبار بشكل سليم.
•  يُكثر من ترديد كلمات مثل "ها؟" أو "شنو؟".
•  يُركز نظره على فم المتحدث كما لو أنه يحاول القراءة من شفاهه.

ومع تقدمه في العمر تزداد المؤشرات وضوحًا وتكرارًا، وحين يبدأ الطفل في استخدام اللغة والتفاعل اجتماعيًا، تظهر علامات جديدة قد تُشير إلى اضطراب في السمع ومنها:

•  نطق غير واضح لبعض الكلمات أو الحروف.
•  يتحدث بصوت مرتفع أو منخفض بطريقة لا تناسب الموقف.
•  يرفع صوت التلفاز أو الأجهزة بدرجة مزعجة لمن حوله.
•  يتجاهل الحديث، أو يبدو شاردًا في البيئات المزدحمة.
•  يجد صعوبة في التفاعل الطبيعي مع أقرانه خلال اللعب أو الأنشطة الجماعية.

كما أن هناك سلوكيات غير مفهومة،  قد تكون مؤشرات سمعية، وهناك بعض الأمهات يلاحظن تغيرًا سلوكيًا دون تفسير واضح على أطفالهن، ومنها على سبيل المثال:

تراجع لغوي مفاجئ بعد تقدم طبيعي في المهارات.

صعوبة في التركيز أو سلوكيات مضطربة، ناتجة عن عدم الفهم الكامل للكلام الموجه له.

لماذا الاكتشاف المبكر لمشاكل السمع ضرورية؟

عندما يُكتشف ضعف السمع مبكرًا، يكون من الممكن التدخل بفعالية، وتقليل الفجوة بين الطفل وأقرانه، كما أن التأهيل السمعي في السنوات الأولى يصنع فرقًا جذريًا، ويمنح الطفل فرصة حقيقية للحاق بركب التطور اللغوي والاجتماعي.

وهنا يجب فحص الطفل إذا انتابكِ أي قلق، أو لاحظتِ أحد المؤشرات السابقة، فبادري دون تردد، ولكن هناك حالات تستدعي الفحص العاجل حتى وإن لم تظهر العلامات بوضوح ومنها:

• وجود تاريخ عائلي لحالات ضعف سمع وراثي.
• إصابة الطفل بعدوى فيروسية أو ارتفاع حرارة تسبّب فقدانًا مؤقتًا للسمع.
• الولادة المبكرة أو التعرض لنقص الأوكسجين عند الولادة.

كيف يتم فحص السمع بدقة؟

لحسن الحظ، التطور الطبي أتاح أدوات دقيقة لتشخيص المشكلة من جذورها ومن ابرز هذه الأدوات الطبية المتقدمة:

• اختبار الانبعاث الصوتي (OAE): يقيّم استجابة الأذن الداخلية للأصوات.
• اختبار استجابة جذع الدماغ السمعي (ABR): يقيس نشاط الدماغ عند التعرض للأصوات.
• التقييم الإكلينيكي لدى أخصائي التخاطب والسمعيات، لفهم الصورة الكاملة.

وأخيراً.. رسالتي إلى كل أم: الطفل لا يقول دائمًا "أنا لا أسمع"، لكنه يرسل إشارات تحتاج إلى أم واعية تلتقطها، ودوركِ أساسي، يبدأ بالوعي، ويمر بالملاحظة الدقيقة، وينتهي بقرار الشجاعة في التوجه للفحص والتأهيل.

ضعف السمع ليس حكمًا نهائيًا، بل تحدٍ يمكن تجاوزه، وقصة يمكن إعادة كتابتها بدعم مبكر، ومرافقة حقيقية.

د. سمر أبو الخير

استشاري أمراض التخاطب

رئيس مجلس أمناء مؤسسة سفير لذوي الهمم