المدن الذكية في آسيا.. دراسة ترصد مسارات التحول نحو الاقتصاد الأخضر
كشفت دراسة حديثة أعدتها الدكتورة نعمة الله عبدالرحمن، مدير التحرير ورئيس قسم البيئة، عن ملامح التوجه الآسيوي نحو إنشاء مدن ذكية كمدخل استراتيجي لتعزيز الاقتصاد الأخضر وتحقيق التنمية المستدامة.
وجاءت الدراسة ضمن ملف علمي بدورية “آفاق آسيوية”، حيث تناولت بالنقد والتحليل التجارب الناجحة في تخطيط وتنفيذ المدن الذكية في عدد من دول شرق وجنوب شرق آسيا، وفي مقدمتها الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية، وسنغافورة.
استعرضت الدراسة الخلفيات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي دفعت دول آسيا إلى إعادة صياغة أنماطها العمرانية من خلال التحول إلى المدن الذكية، والتي تتميز بالكفاءة البيئية، والتحول الرقمي، والبنية التحتية المستدامة.

وأشارت إلى أن دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) أطلقت مبادرة “شبكة المدن الذكية” في عشر دول أعضاء، فيما أعلنت الصين عن مشروع طموح لإنشاء نحو 300 مدينة ذكية، وتبعتها الهند بخطط لبناء 100 مدينة جديدة تعتمد على التكنولوجيا والرقمنة في كافة قطاعاتها.
وأكدت الدراسة أن دولًا مثل كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة، تبنّت رؤى متقدمة لبناء مدن ذكية شاملة تجمع بين الاقتصاد الأخضر، وحلول الطاقة المتجددة، والإدارة الذكية للنفايات، إضافة إلى تحسين جودة الحياة والخدمات المقدمة للمواطنين.
وتطرقت الدراسة إلى التحديات البيئية التي تواجهها المنطقة، مثل ارتفاع نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 1.6% سنويًا في دول آسيان، وتزايد النفايات الحضرية بنسبة تجاوزت 150%، بالتوازي مع توقعات بوصول سكان المدن إلى نحو 70% من إجمالي سكان العالم بحلول عام 2050، مما يجعل من المدن الذكية خيارًا حتميًا لتحقيق توازن بين التنمية والنمو السكاني والموارد الطبيعية.
وسلطت الدراسة الضوء على الدور المحوري الذي لعبه بنك التنمية الآسيوي في دعم جهود الدول الآسيوية للتحول نحو المدن الذكية، من خلال تمويل المشروعات وتقديم سيناريوهات تنموية تراعي السياق المحلي للمدن، وتدمج بين التكنولوجيا والعدالة البيئية والاجتماعية.
واستعرضت الدراسة عددًا من النماذج الدولية، أبرزها التجربة الهندية في تطوير مدن خضراء رقمية، والخطط اليابانية القائمة على الابتكار والتكامل بين البيئة والتقنية، والمبادرة الصينية التي جمعت بين التحول الصناعي والتوسع الرقمي، إلى جانب تجربة سنغافورة التي وُصفت بأنها الأفضل في آسيا، والخامسة عالميًا على مستوى المدن الذكية من حيث البنية التحتية المتقدمة، والاعتماد على البيانات في إدارة الموارد والخدمات.
وخلصت الدكتورة نعمة الله عبدالرحمن في دراستها إلى أن الاستثمار في المدن الذكية لم يعد ترفًا عمرانيًا أو مشروعًا تكنولوجيًا فقط، بل هو خيار وجودي لمواجهة التغيرات المناخية والضغوط السكانية، وتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية في آن واحد، مشددة على أهمية التخطيط الاستراتيجي طويل الأجل، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لضمان نجاح هذه المدن في أداء دورها التنموي والتحولي في المستقبل.