الأحد 12 أكتوبر 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

العِشْقُ .. تلك الكلمة التي تهزّ القلوب وتوقظ الأرواح، ما إن تُذكر حتى تتداعى إلى الوجدان صور من لهفة اللقاء، وحنين القرب، ودموع الشوق. 

غير أن العشق في أصفى تجلياته وأرقى معانيه، لا يكون إلا لله، ومن بعده لحبيبه ومصطفاه، محمد صلى الله عليه وسلم، إنه العشق الحلال، العشق الذي لا تُنقِصه السنون، ولا تشوبه مصلحة، ولا يذبل في دروب الدنيا؛ بل هو عشق يزهر في القلب نورًا، وفي العقل حكمة، وفي الروح سكينة.

في خلوات العاشقين، لا حديث إلا عن الله، لا أنين إلا من بعده، ولا رجاء إلا في لقائه، لقد تعلّقت قلوب المحبين بالحق سبحانه تعلُّقًا صادقًا، حتى صار حبّه أعزّ عليهم من الماء البارد على الظمأ، ومن الأهل والولد.

يقول الله سبحانه وتعالى: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ... وَأَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... فَتَرَبَّصُوا" [التوبة: 24]

فالحب هنا مِحكٌّ للإيمان، ميزان للقلوب، وبرهانٌ على الصدق، وقد سُئل ذو النون المصري: "متى يُحب العبد ربّه حبًا صادقًا؟"، فقال: "إذا غلب عليه ذكره، واستولى عليه شوقه، فلا يأنس إلا به، ولا يطمئن إلا إليه، ولا يُفتَن بما سواه."

العشق النبوي: حبٌّ لا يُضاهى

أيّ قلبٍ عرف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم يهواه؟ من تشرّب قلبه بسيرته، وسمع آياته، وتدبّر شمائله، أدرك أن محبته ليست خيارًا، بل فريضة، وأن حُبّه لا يقاس، بل يُعاش.

يقول  النبي العدنان صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين" [متفق عليه].

ولذلك وقف أبو بكر عند لحظة موت رسول الله، يبكي قائلاً: "طِبتَ حيًّا وميتًا يا رسول الله... والله لا يجتمع عليك موتان أبداً."

وكان أنس رضي الله عنه يقول: "ما فرحنا بعد الإسلام بشيء كما فرحنا بقول النبي: المرءُ مع من أحب."

فما أعظمها من بشارة، أن يكون حبّ النبي جواز مرور إلى جواره يوم لا ينفع مال ولا بنون.

من مدرسة العاشقين.. الصالحون وأسرار المحبة

وفي مدارس العاشقين تتوج السيدة رابعة العدوية على عرشها، فحين سألوها: "أتحبين الله حقًا؟" قالت: "اللهم إني ما عبدتك خوفًا من نارك، ولا طمعًا في جنتك، ولكن عبدتك حبًا فيك، فإن أدخلتني النار، أخبرت أهل النار أني أحبك."

وكان الإمام الجنيد يقول: "العشق نارٌ تُحرق كل ما سوى الله في قلب العبد."

وهذا إبراهيم بن أدهم، كان إذا سجد، مكث ساعات يناجي ربه ويقول: "اللهم لا تشغلني عنك بنفسٍ ولا بدن، ولا خلٍّ ولا ولد، ورضني بحبك حتى لا أرى في الدنيا غيرك."

وفي موقعة أُحد، حين سال الدم من وجه النبي الكريم، هرع الصحابي مالك بن سنان، وجعل يمصّ الدم من وجه رسول الله، والنبي يقول له: "مَجّ يا مالك"، فيقول: "لا والله، لا أمجّ دمًا خالط فمي بدمك يا رسول الله"، فدعا له النبي أن لا تمسّه النار.

وفي زمن عمر بن الخطاب، أتى رجلٌ إليه وقال: "يا أمير المؤمنين، أحبُّ فلانًا في الله"، فقال عمر: "هل أخبرته؟"، قال: "لا"، فقال عمر: "فقم، فإني سمعت رسول الله يقول: إذا أحب أحدكم أخاه، فليُخبره أنه يحبّه."

العشق عند الصوفية.. الذوبان في المحبوب

لم يكن التصوف يومًا بدعًا أو خروجًا، بل كان تجلّيًا عميقًا للعشق الحلال، قال ابن الفارض في تائيّته الكبرى:

وإنّي وإن كنتُ ابن آدمَ صورةً

فروحي وروحيهُ لهُنّ نِسابُ

هم قومٌ تذوّقوا حلاوة القرب، فسهروا الليالي في الذكر، وجاهدوا النفس عن الهوى، وساروا بخُطا العشق حتى ذابوا فيه، وهنا أصبح العشق الحلال نورًا يهدي القلوب، ويصون الأرواح. 

وصار معنى العشق الحلال عندهم أن تحبّ الله، أي أن تعيش له، وتعمل له، وتبكي بين يديه وأن تحبّ رسوله، يعني أن تسير على نهجه، وتحمل رسالته، وتنافح عن سنّته.

كما تيقن الصوفية بأن مَن أحبّ الله، أحبّه الله، وإذا أحبّك الله، نادى جبريل: "إن الله يحب فلانًا، فأحبّه"، فيُحبّه أهل السماء، ويوضع له القَبول في الأرض.

تم نسخ الرابط