في زمنٍ تتسارع فيه ضغوط الحياة، وتشتد فيه القلوب قسوة، يبقى لين القلب واحدًا من أعظم النعم التي يمنّ الله بها على عباده، نعمة لا تُقاس بالمال ولا تُشترى بالجاه، بل هي هبة ربانية يرزقها الله لمن أحبهم واصطفاهم، فيجعل منهم مفاتيح للخير، وجسورًا لرحمته بين الناس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يدخل الجنة أقوامٌ أفئدتهم كأفئدة الطير”، أي رقّة ورحمة ووداعة وسلام، فتجد صاحب القلب اللين يبكي من أقل شيء، يفرح لأبسط نعمة، ويسامح من ظلمه دون أن يُمهل، يحمل في قلبه نورًا يضيء لمن حوله، وكأن قلبه خلق ليجبر القلوب المكسورة.
ولم يكن ذلك دليل ضعف كما يتصور البعض، بل هو من علامات الإيمان ورسوخ العقيدة، إذ قال صلى الله عليه وسلم: “حُرِّم على النار كل هيِّن ليِّن، سهل، قريب من الناس”.
فالرقة في التعامل، والبشاشة في الوجه، وطيب الكلمة، ليست صفات هامشية، بل هي مفاتيح النجاة في الدنيا والآخرة.
إن لين القلب هو الثمرة الأولى لنور الإيمان، وهو ما يجعل صاحبه يستنير بالله، ويتذوق لذة الأنس به، ويبرأ من أمراض القلوب التي تلوث الفطرة، كالحقد، والحسد، والتعلّق بغير الله.
فالقلب النقي هو موطن الحكمة، ومحبرة الأسرار، ومصدر الطمأنينة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله”.
ومن دلائل صدق الإيمان أن يظهر جمال القلب في الشدائد، فالمؤمن الحق كلما اشتدت به الابتلاءات، زاد توكله على الله، وازداد قلبه نقاءً وصفاءً، تمامًا كذهبٍ تُزيده النار لمعانًا.
أما من ضعف إيمانه، فتراه يتغيّر مع الضغوط، وتغلبه الطباع، ويُظهر أسوأ ما فيه، فيخسر دنياه وآخرته.
وقد قال أهل العلم: الألم هو المعلم الأول للصبر، والصبر هو طريق الحكمة، والحكمة هي بوابة الحقيقة.
فكل ألم يصهر قلبك، ليطهّره من الدنيا ويقرّبه من الله، وكل دمعة رقّة في سبيل الله هي مفتاح لرحمته، وكل عفو عن من أساء إليك هو جواز عبور إلى رضاه.
فطوبى لكل من رقّ قلبه، وهانت عليه نفسه، ورفق بالناس، وواسَى الضعفاء، وكان له في كل ابتسامة أجر، وفي كل كلمة طيبة صدقة، وفي كل جبر خاطر سبيل إلى الجنة.