
في صيفٍ تتزايد فيه الكوارث البيئية حدّةً وتواترًا، يلوح في الأفق تهديد مرعب يعيد إلى الأذهان أسوأ كوابيس البشرية، إنه تسونامي ضخم قد يضرب بعض السواحل العالمية دون سابق إنذار، نتيجة تصاعد النشاط الزلزالي والبركاني في عدد من المناطق الحساسة جيولوجيًا، خاصة في "حلقة النار" حول المحيط الهادئ.
المخاطر والتهديدات لا تكمن فقط في ارتفاع الأمواج الذي قد يتجاوز 30 مترًا في بعض السيناريوهات، بل أيضًا في سرعة وصول المياه إلى اليابسة، ما يترك سكان السواحل أمام دقائق معدودة للفرار.
التغيرات المناخية بدورها تُسرّع من ذوبان الأنهار الجليدية، وتزيد من احتمال انهيار الكتل الأرضية تحت المحيط، وهي من العوامل الرئيسية المحفّزة لتكوّن موجات تسونامي مستقبلية غير تقليدية.
وبحسب مركز البيانات الجيولوجية الأمريكي (USGS)، فإن عدد الزلازل البحرية التي تجاوزت قوتها 6 درجات على مقياس ريختر تضاعف تقريبًا في العقد الأخير، ما يرفع من احتمالية حدوث موجات تسونامي مفاجئة.
أما تاريخ هذا النوع من الكوارث، فيحمل بين صفحاته ضحايا كُثر لتسونامي قاتل، في كارثة تسونامي المحيط الهندي عام 2004، والتي تُعدّ الأسوأ في العصر الحديث، لقي أكثر من 230 ألف شخص حتفهم في 14 دولة، أبرزها إندونيسيا، وسريلانكا، وتايلاند، والهند.
وفي اليابان عام 2011، أدت موجات تسونامي التي أعقبت زلزال توهوكو إلى مقتل ما يزيد عن 20 ألف شخص وتسببت في كارثة نووية بمفاعل فوكوشيما.
أما على مستوى الكوارث التاريخية الأقدم، فقد تسبب تسونامي لشبونة عام 1755 في مقتل أكثر من 60 ألف شخص، ودمّر أجزاءً كبيرة من البرتغال.
التحذيرات العلمية اليوم تدق ناقوس الخطر، مع وجود مناطق معرّضة بشدة لخطر التسونامي مثل الساحل الغربي لأمريكا الشمالية، جنوب شرق آسيا، وجزر المحيط الهادئ.
ويبقى السؤال المُلِح: هل نحن مستعدون لصيف قد يحمل موجة قاتلة تهزّ العالم من جديد؟

هل مصر جاهزة لهذا المستقبل المناخي المضطرب؟
التغير المناخي لا يعني فقط حرارة مرتفعة، بل تهديدات تمس الأمن المائي والغذائي والاقتصادي:
قطاع الزراعة، الذي يمثل أكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، يواجه مخاطر التصحر وتراجع إنتاج المحاصيل بسبب نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة.
دلتا النيل، التي تضم أكثر من 50% من سكان مصر، مهددة بالغرق نتيجة ارتفاع منسوب البحر المتوسط، وهو ما أكدته دراسة للبنك الدولي عام 2023، حذرت من فقدان أجزاء من الدلتا خلال العقود القادمة.
السياحة الشاطئية في مدن مثل الغردقة وشرم الشيخ، تواجه تحديات من تآكل الشواطئ وارتفاع درجات حرارة البحر التي تؤثر على الشعب المرجانية.
الصحة تحت الحصار المناخي
في ظل الحرارة الخانقة، تسجل المستشفيات ارتفاعًا في حالات الإجهاد الحراري، والجلطات الدماغية، وضربات الشمس، خاصة بين كبار السن والعاملين في المهن المكشوفة.
وتشير بيانات وزارة الصحة إلى زيادة بنسبة 18% في حالات الطوارئ المرتبطة بالحرارة خلال شهري يونيو ويوليو فقط.
كما أدى تراجع جودة الهواء وزيادة الانبعاثات إلى تصاعد حالات الربو وأمراض الجهاز التنفسي، لا سيما في المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية.
التحول المناخي الرقمي والإعلام الغائب
رغم خطورة هذه الظواهر، يغيب التناول الإعلامي الجاد لملف التغير المناخي في مصر. لا برامج توعوية كافية، ولا مبادرات جماهيرية لشرح المفاهيم البيئية بشكل مبسط.
بل إن أغلب الصحف والمواقع تكتفي بتغطية موجزات الأرصاد دون الربط العلمي والتحليلي بين ما يحدث محليًا والتحولات العالمية.
ومع أن مصر أعلنت التزامها باتفاق باريس للمناخ وتقدمت برؤية "استراتيجية المناخ الوطنية 2050"، إلا أن التنفيذ على الأرض ما زال يواجه تحديات حقيقية تتعلق بضعف التمويل، وتراجع الوعي المجتمعي، وغياب الإعلام المتخصص.
ماذا بعد هذا الصيف؟

التعامل مع التغير المناخي لا يحتمل التأجيل أو التجاهل.
فكل تأخير في المعالجة يعني المزيد من الكوارث في الأمن الغذائي، والمائي، والصحي، ومزيدًا من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، وها ينبغي على الحكومة المصرية اتخاذ مجموعة من الإجراءات من أهمها:
- تعزيز الاستثمار في الطاقة النظيفة والمستدامة.
- إطلاق حملات إعلامية وطنية توعوية تستهدف الشباب والمزارعين وسكان المناطق الساحلية.
- دمج المناخ في السياسات العامة، من التخطيط العمراني إلى النقل والزراعة.
- تمكين الإعلام البيئي الرقمي كوسيلة ضغط وتثقيف.
إن الصيف هذا العام لم يكن مجرد حرارة، بل رسالة مناخية صادمة. وإذا لم تتحرك مصر بسرعة على كافة الأصعدة، فقد يصبح هذا "الصيف المرعب" مجرد بداية لمسلسل طويل من الأزمات البيئية.
فهل نستيقظ قبل أن يتحول التغير المناخي من زائر ثقيل الظل إلى مقيم دائم يهدد كل تفاصيل حياتنا؟