وسط أزمات اقتصادية متراكمة وتحديات معيشية ضاغطة، تزداد شكاوى المواطنين يوماً بعد يوم، وتعكس الملامح العابسة في الشوارع عمق المعاناة التي باتت واضحة في تفاصيل الحياة اليومية. فبين الغلاء المستمر، وضعف القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات البطالة، يشعر كثيرون أن الأمل بدأ يتلاشى، بينما تواصل الجهات الرسمية إطلاق تصريحات تطمينية ووعود مستقبلية يراها البعض بعيدة عن الواقع الحالي.
في المقابل، تسعى الحكومة إلى التأكيد على جهودها التنموية ومشروعاتها الاستراتيجية، إلا أن شريحة واسعة من المواطنين لا تشعر بانعكاس تلك المشروعات على أوضاعها المعيشية المباشرة، مما خلق فجوة في الثقة، وتزايد حالة الإحباط الشعبي.
غلاء الأسعار وضعف الأجور
لا تزال معدلات الأسعار تشهد ارتفاعاً متواصلاً شمل جميع السلع والخدمات الأساسية، في وقت لم تشهد فيه الأجور زيادات متناسبة. وأصبح من الصعب على شريحة كبيرة من المواطنين توفير أساسيات المعيشة مثل الغذاء والعلاج والتعليم، ما أدى إلى ضغوط نفسية واقتصادية كبيرة.
البطالة بين الأرقام والواقع
وفقاً لجهاز التعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد المتعطلين عن العمل في مصر عام 2024 نحو 2.113 مليون فرد، بينهم 1.091 مليون من الذكور و1.022 مليون من الإناث. ورغم الجهود الحكومية لتوفير فرص العمل عبر المشروعات الكبرى والمبادرات الشبابية، فإن كثيراً من المواطنين يرون أن فرص العمل المتاحة لا تزال محدودة ولا تستوعب الأعداد المتزايدة من الخريجين، خاصة أصحاب المؤهلات النظرية.
الهجرة والعمل بالخارج: حل فردي لأزمة جماعية
بحسب التقديرات الرسمية، تجاوز عدد المصريين العاملين بالخارج حاجز 9 ملايين فرد، في إشارة إلى اعتماد شرائح كبيرة من الأسر على تحويلات ذويهم لتغطية الاحتياجات المعيشية. ويرى بعض الخبراء أن هذا الوضع قد يمثل تحدياً إضافياً في حال عودة هذه الأعداد فجأة نتيجة أي ظروف إقليمية أو اقتصادية.
كما تواجه فئة أصحاب المعاشات صعوبات متزايدة في ظل محدودية قيمة المعاش الشهري، والزيادات السنوية التي لا تواكب معدل التضخم. ويشكو كثيرون من ضعف خدمات التأمين الصحي، ونقص الأدوية الأساسية لأمراض مزمنة مثل السكري والضغط والقلب، لا سيما في مستشفيات التأمين التي تعاني نقصاً في الإمدادات منذ أكثر من شهرين، وفقًا لشهادات متكررة.
التعليم في مفترق طرق
لا يختلف الحال كثيراً في ملف التعليم، الذي يعاني – بحسب مراقبين – من غموض في السياسات التعليمية، وتعدد في القرارات غير المدروسة. وبين اجتهادات تصفها بعض الجهات التربوية بأنها غير آمنة، وارتفاع في تكلفة التعليم الجامعي، يشعر أولياء الأمور بالقلق على مستقبل أبنائهم، وسط تصاعد التكاليف وضعف المردود المعرفي والتأهيلي، خاصة في ظل ما يشهده السوق من تراجع لقيمة المؤهلات دون المهارات.
ملف الصحة: بين الواقع والتحديات
لا تزال المنظومة الصحية في حاجة إلى تطوير شامل على مستوى البنية التحتية والخدمات وتوفير الأدوية. ويرى متخصصون أن الاعتماد على “المسكنات” دون تبني حلول استراتيجية قد يؤدي إلى تفاقم الوضع. وفي ظل هذه الظروف، يشعر المواطن البسيط بأن العلاج الجيد أصبح حكراً على القادرين، بينما يظل محدودو الدخل أمام خيار واحد: اللجوء إلى الله.
إعادة النظر في سوق العمل
من بين التحديات المهمة التي تواجه الحكومة أيضاً، استمرار الدفع بأعداد كبيرة من خريجي الكليات النظرية إلى سوق عمل لا يستوعب تخصصاتهم. ويرى مختصون أن هذه الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق تمثل عقبة أمام التنمية الحقيقية، وتستلزم إعادة تخطيط للسياسات التعليمية والتوظيفية بما يتماشى مع خطط الدولة للتحول الرقمي والتنمية المستدامة.
وختاماً، يبقى الأمل قائماً في أن تشهد المرحلة المقبلة إصلاحات جذرية وسياسات أكثر واقعية وتوازنًا، تضمن تحسين معيشة المواطن، وتمنح الفرصة للمشاركة الحقيقية في بناء المستقبل.