
في لحظة مفصلية من تاريخ المأساة الإنسانية في قطاع غزة، أعلنت إسرائيل موافقتها على سريان هدنة إنسانية والسماح بدخول شاحنات الإغاثة إلى القطاع، بعد أشهر دامية من القصف والحصار والمعاناة.
وبينما يئنّ أهل غزة من الجوع والبرد وقلة الدواء، تتجه أنظار الشعوب العربية والإسلامية إلى دورها الأخلاقي والشرعي في إغاثة المنكوبين ومساعدة المستضعفين.
التبرع في ميزان الشريعة: عبادة عظيمة وأجر لا ينقطع
التبرع للفقراء والمحتاجين من أعظم القربات وأجلّ العبادات في الإسلام، وقد ربط الله بين الإنفاق في سبيله وبين الفوز برضوانه ومغفرته. قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ، فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ﴾ \[البقرة: 261].
وفي الحديث الشريف، قال رسول الله ﷺ: "من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" \[رواه مسلم].
وما يمر به أهل غزة اليوم ليس مجرد كربة، بل سلسلة من الكربات: الجوع، المرض، النزوح، فقدان الأحبة، انقطاع الكهرباء والماء، وانعدام الأمن. ومن يهبّ لإغاثتهم، فقد دخل في زمرة عباد الله الذين قال عنهم النبي ﷺ: "أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس" \[حسنه الألباني].
فضل إغاثة الملهوف والمنكوب: أجر عظيم ورفعة في الدنيا والآخرة
إغاثة الملهوف من أعظم صور الرحمة والإنسانية، وهي من خصال الأنبياء والرسل والصالحين. وقد جعل الإسلام من تفريج الكربات وإغاثة المنكوبين بابًا من أبواب الجنة. وكل درهم يُنفق في هذه الظروف العصيبة يُعد صدقة جارية وأجرًا متضاعفًا في ميزان الله تعالى.
وفي سياق غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني إنسان تحت الحصار، يصبح التبرع لهم بمثابة "إحياء لنفس" كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ \[المائدة: 32].
التبرع للجهات الرسمية: أمان وشفافية وضمان لوصول المساعدات
وفي ظل ما يشهده العالم من حملات إلكترونية ومؤسسات غير رسمية مشبوهة، يبقى التبرع للكيانات الرسمية التابعة للدولة، مثل الهلال الأحمر، صندوق تحيا مصر، ومؤسسات الإغاثة المعتمدة، هو الضمان الحقيقي لوصول التبرعات إلى مستحقيها من أهالي غزة.
وقد أكدت دار الإفتاء المصرية في فتاواها مرارًا أن التبرع عبر الجهات الرسمية يحقق المقصد الشرعي من الصدقة والإغاثة، ويمنع التلاعب أو استخدام الأموال في مسارات غير معلومة أو غير مشروعة.
من الواجب الديني والوطني عدم التبرع للكيانات غير المعروفة أو التي لا تخضع لرقابة قانونية، فرب صدقة تُخرجها بنية الخير، لكنها تقع في يد فاسد أو محتال، فيضيع أجرها ولا تحقق مقصدها.
لذا ينبغي التحري والتأكد من هوية المؤسسة قبل إرسال أي دعم، وأن يكون التبرع تحت إشراف ومتابعة رسمية.
في هذا التوقيت الحرج، يصبح التبرع لأهالي غزة ليس فقط فعل خير، بل واجب ديني وإنساني وأخلاقي. إنها فرصة عظيمة لينال كل مسلم ثواب إغاثة المنكوب، ودعوة صادقة لإحياء معاني الأخوة الإسلامية، والرحمة التي أمر بها الله ورسوله.
فليكن تبرعنا لغزة صدقة لا تنقطع، وأملًا لا ينطفئ، ورحمة تتجدد في وجه الظلم والخذلان.