الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

لم تعد عبارات مثل “الذكاء الاصطناعي سيتحكم في المستقبل” مجرد شعارات طموحة، بل تحوّلت اليوم إلى واقع فعلي ينبض في تفاصيل الحياة اليومية، بعد أن كشفت شركة OpenAI عن أحدث طفراتها التكنولوجية بإطلاق نسخة مطوّرة من منصة ChatGPT تعمل كوَكيل رقمي ذكي، ينجز المهام نيابة عنك، ويفكر بدلاً منك، ويتصرّف وكأنه أنت تمامًا.

هذا التحوّل لا يمكن وصفه بالاعتيادي أو التطور البسيط. نحن أمام نقلة نوعية تعيد رسم علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، ليس فقط كمستخدم أو متفاعل، بل كشريك استراتيجي مع آلة تفكر، تحلل، وتنفذ وفقاً لما تريده بدقة تتجاوز المعايير التقليدية.

المثير في النسخة الجديدة من ChatGPT أنها لم تعد مجرد منصة دردشة ذكية ترد على أسئلة المستخدمين، بل أصبحت أداة تنفيذ شاملة قادرة على تصفح الإنترنت، التفاعل مع المواقع، ملء النماذج، إجراء عمليات شراء، حجز المواعيد، كتابة رسائل رسمية، وتوليد عروض تقديمية احترافية في دقائق، بل وتحليل البيانات والملفات المالية والقانونية والطبية، كما لو كان لديك فريق متكامل يعمل خلف الشاشة لخدمتك.

ماهو شات جي بي تي وكيفيه استخدامه وأهميته – متجر ديجيتال بلس للاشتراكات  الرقمية

تخيّل أن تطرح عليه فكرة مشروع استثماري، فيرد عليك بتحليل جدوى شامل، واستراتيجية تسويق تفصيلية، وخطة مالية تتضمن تحليل الإيرادات والمخاطر، ثم يصيغ لك العرض التقديمي، ويقترح شركاء محتملين في السوق. الأمر لم يعد حلمًا، بل أصبح متاحًا لمستخدمي النسخة المدفوعة من المنصة التي أصبحت متكاملة الأدوات، وتتكامل مع الإنترنت في الزمن الحقيقي.

بلغة أوضح، الذكاء الاصطناعي هنا لا يُلغي دور الإنسان، بل يعيد صياغته، من منفّذ إلى مبدع، ومن متلقٍ إلى صانع قرار. كل ما يحتاجه المستخدم هو إدراك كيفية توجيه الأداة، وصياغة الأوامر بوضوح، ليقوم الوكيل الذكي بكل الباقي. وهنا تكمن القيمة الحقيقية، حيث تتحرر الطاقة البشرية من أعباء التفاصيل التنفيذية لتنصرف إلى التفكير والإبداع والتخطيط طويل المدى.

ولعل أكثر ما يلفت النظر في هذا التحول، هو قدرته على كسر الحواجز التقليدية بين التخصصات. يمكن للصحفي أن يستخدمه لتحليل تحقيق استقصائي معقد، ولرائد الأعمال أن يحوّل فكرته إلى خطة تشغيلية قابلة للتنفيذ، ولطالب الجامعة أن يفهم موضوعًا أكاديميًا معقدًا من خلال تبسيطه وإعادة شرحه بأسلوب تعليمي مخصص.

كما يفتح ChatGPT أبوابًا جديدة في مجالات التعليم والتدريب، حيث يمكنه تصميم دورات تعليمية، إعداد اختبارات، تقديم دروس مصوّرة، بل وحتى شرح المفاهيم المتقدمة بطريقة تناسب مستوى كل طالب، مما يجعل منه أداة ثورية في تقليص فجوة التعلم وتوفير المعرفة بشكل أكثر عدالة.

الأكثر إثارة أن OpenAI أعلنت عن ميزات إضافية في طريقها للإطلاق، من بينها تحويل النصوص إلى صوت طبيعي، ما يفتح المجال لاستخدامه في إنشاء بودكاستات تلقائية، تسجيل المقالات صوتيًا، أو التفاعل معه صوتيًا دون الحاجة إلى الكتابة. وبذلك نقترب من عصر المساعد الشخصي الحقيقي الذي يتفاعل معنا كما لو كان إنسانًا يعمل بجانبنا.

إن العالم أمام منعطف فارق، وأدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت هي مفتاح العبور نحو اقتصاد جديد، وسوق عمل مختلف، وسلوك إنتاجي لا يشبه ما تعودنا عليه من قبل. من يتقن هذه الأدوات اليوم سيكون هو قائد المرحلة القادمة، ومن يتجاهلها سيجد نفسه على هامش مشهد يتغير بسرعة تفوق التصور.

الذكاء الاصطناعي لم يعد تهديدًا، بل فرصة نادرة لتكافؤ الفرص، لمن أراد أن يتعلّم، ويطوّر، ويبني، ويقود. إننا لا نتحدث فقط عن طفرة تقنية، بل عن ثورة معرفية تضع الإنسان أمام سؤال مصيري: هل ستبقى مستخدمًا عاديًا؟ أم تصبح صانع قرار في عصر الذكاء الاصطناعي؟

د. حماد الرمحي
خبير التحول الرقمي في الصحافة والإعلام

تم نسخ الرابط